عمدت إذاعة ذاكرة الأمة الى محتويات مكتبة الإذاعة الزاخرة بشتى فنون العمل الثقافي والإبداعي والفني ونثرت خلال برامجها حلقة رائعة من برنامج مع الفنان الذي كان يعده ويقدمه الإذاعي الراحل الأستاذ محمد خوجلي صالحين في مطلع ستينيات القرن الماضي استضاف خلالها الطفل الفنان يوسف محمد عبد الحليم وكان عمره وقتها لم يتجاوز الثانية عشرة أظهر خلال الحلقة براعته الفائقة ومهارته الواضحة في العزف على آلة العود والطنبور والصفارة إلى جانب تمتعه بصوت جميل سرعان ما شد الآذان ولفت الانتباه ينبئ بظهور موهبة متّقدة في مجال الغناء، الطفل المعجزة تعود جذوره الى الولاية الشمالية فهو من منطقة أرقو المشهورة كان مولعاً بترديد أغنيات الفنان الكبير إدريس إبراهيم مقدماً نماذج منها خلال الحلقة الى جانب بعض أغنياته الخاصة التي كتبها له الشاعر نوري السيد علي والشاعر عباس مرسي . بدأ الطفل الفنان يوسف محمد عبد الحليم اهتمامه بالغناء منذ المرحلتين الابتدائية والوسطى فكانت أسرة المدرسة تعهد إليه بمهمة تلحين وترديد الأناشيد المدرسية مثل بلادي بلادي فداك دمي وهبت حياتي فدى فاسلمي غرامك أول ما في الفؤاد ونجواك آخر ما في فمي قدم نموذجاً عبر الحلقة كانت بدايته مع آلة الصفارة التي تعلمها قبل دخول المدرسة وبعد مضي ثلاث سنوات أتقن عزفها ثم اتجه لتعلم العزف على الطنبور الذي اشتراه بمبلغ خمسة عشر قرشاً ليتعلم عليه فأصبح من المتفوقين في عزفه رغم حداثة سنه ليلجأ بعد ذلك لمحاولة عزف العود وكان أستاذه في ذلك محمد تلودي كانت للطفل يوسف محمد عبد الحليم رغبة كبيرة في تعلم العزف على آلة الكمان فقد حاول ذلك بمعاونة أحد أصدقائه ويدعى شيخ سليم أثناء البرنامج سأل الأستاذ صالحين الطفل يوسف عن كيفية اختياره للنصوص والأغنيات التي يرددها فكانت إجابته أنه يضع اللحن في الأول ثم يهرع للشعراء لتأليف الأشعار لتطابق اللحن ثم قام بعزف موسيقى عدد من الأغنيات بالعود والطنبور مثل أغنية عشرة الأيام لعثمان حسين وأغنية شوف العين لإدريس إبراهيم التي تقول تعال يا عاشق الأزهار تعال جيب لي منه أخبار أصله الغرام غدار أحر من السلاح والنار ثم عزف موسيقى أغنية لاموني للفنان ابن البادية. كان الطفل الفنان يوسف محمد عبد الحليم تلميذا بمدرسة أرقو الأهلية في ذاك الوقت ولكنه اضطر لقطع دراسته للبحث عن عمل ليساعد والده في تعليم شقيقه الأصغر فكانت أمنيته أن يجد عملاً يدر عليه دخلا ثم يلجأ لمواصلة دراسته في المدارس الليلية لذلك شد الرحال الى الخرطوم هنا تدخل صالحين موجهاً النداء لعديد من الجهات لمساعدة الطفل يوسف بإيجاد عمل له وتقديم المساعدة اللازمة حتى يتمكن من تعليم نفسه ويساعد والده في تعليم شقيقه الأصغر وقد وعده صالحين بالاتصال بالملحنين المعروفين وقتذاك ليأخذوا بيده حتى يغدو فناناً كبيراً ومعروفاً. سارت وقائع برنامج مع الفنان على نسق بديع تحدث الناس عن موهبة جديدة ستغزو عالم الفضاء يوم كانت الساحة معتركاً حقيقياً للمبدعين من أصحاب المواهب المتفتحة ولكن منذ أكثر من خمسين عاما لم نعد نسمع شيئاً عن الفنان الناشئ وقتذاك يوسف محمد عبد الحليم فقد اختفى من الساحة ولم يظهر ضمن فرسانها ومن هنا نأمل ونتمنى أن يتحفنا أبناء أرقو وغيرهم بمعلومات حول الفنان الصغير أين هو؟ وهل واصل مشواره الفني أم تقطعت به الأسباب؟ أم ترك الساحة كما فعل الكثيرون؟ فقد كان الطفل يوسف محمد عبد الحليم فناناً ينتظره المستقبل ولكنه آثر الابتعاد رغم مواهبه العديدة التي حباه بها الله فمن يجرؤ على كشف النقاب عن سيرة الطفل الموهوب يوسف محمد عبد الحليم الذي استضافه الراحل محمد خوجلي صالحين قبل أكثر من خمسين عامًا من الزمان.