هل تصدق عزيزي القارئ أن دخل لقاء القمة الكروية الأخير بين عملاقي ودمدني الأهلي والاتحاد الذي جرى الأسبوع الماضي.. قد بلغ (800) جنيه فقط لا غير.. وهل تصدق أن نصيب كل ناد لم يتجاوز الثلاثين جنيهاً.. وقد تسلمها من جانب الأهلي مولانا بشار أبو دجانة نائب الرئيس الذي سلمها بدوره كاملة العدد (صرة في خيط) لسائق الحافلة التي أقلت اللاعبين للإستاد.. أي أن خزانه النادي (يخربها) جنيه واحد من دخل المباراة.. هذه هي سادتي المأساة الحقيقة التي تعيشها أندية ودمدني المنضوية تحت لواء سيئ الذكر المسمى بالممتاز.. الذي أفلس الأندية وخرّب ديارها والحق بها دماراً شبيهاً بدمار إعصار تسونامي.. فكان طبيعياً أن تتفجر المشاكل داخل أورقتها ويهرب الإداريون فراراً من جحيم الفقر الذي نصب خيامه في مضاربها.. ويشتكي اللاعبون والمدربون من داء الفلس الذي تفشى ووصل حتى لنادي الهلال بكل زخمه وأثريائه وجماهيريته و (راحاته) الأمر الذي دفع كابتن الفريق هيثم مصطفى لإصدار بيان هام وعاجل مناشداً فيه الأهلة مد يد العون للفريق ولاعبيه... فإذا كان هذا هو حال الهلال فكيف بالله عليكم يمكن أن نصف حال الأندية الأخرى التي يطحنها الفقر؟. وقد سألت مولانا أبو دجانة بعد أن حكى لي بحسرة وألم قصة الثلاثين جنيهاً نصيب الأهلي من دخل مباراته أمام الرومان.. سألته كم تبلغ منصرفات النادي خلال الشهر فأجاب 30 ألف جنيه على أقل تقدير.. هذا إذا لم يسافر الفريق لأداء مباراة خارج ودمدني تفاصيلها كالآتي: 9 آلاف جنيه إعاشة و 6 آلاف مرتبات محترفين و 12 ألف مرتبات الجهاز الفني و 3 آلاف علاجات ومنصرفات أخرى. فإذا كانت مباريات أندية مدني على أرضها لا تحقق أي دخل يذكر فذلك يعني أن إداراتها مطالبة بتوفير مبلغ 20 ألف جنيه شهرياً يضاف لها دعم حكومة الولاية الشهري البالغ قدره 10 آلاف جنيه لتغطية منصرفاتها ولعل السؤال الذي يقفز لساحة المنطق هو: من أين لها أن توفر هذا المبلغ شهرياً يا سادة يا كرام. * أما ظاهرة عزوف جمهور ودمدني عن ارتياد المباريات ومحاربته للمدرجات فقد احتار فيها الناس كثيراً وتضاربت تحليلاتهم.. فمنهم من يعزي الأمر لتدني المستوى وندرة المواهب الكروية التي كانت تجذب الجمهور ومنهم من يتحدث عن الظروف الاقتصادية والفلس الحاصل في الجزيرة بعد انهيار مشروع الجزيرة وتعطل مصانعها.. وآخرون يعزون الأمر لتلفزة المباريات. * وقد حاول اتحاد الكرة الجديد بودمدني معالجة هذه الظاهرة وإعادة الجمهور للإستاد مجدداً فأعلن مجانية الدخول لدوري الأولى.. ومع ذلك فقد واصل الجمهور (حردانه) بل قابل البعض تلك الخطوة بسخرية لاذعة مثلما فعل كابتن سنطة اللاعب المخضرم الذي قال: والله مش لو عملوا الدخول مجاناً حتى لو جوني في البيت بسيارتهم وحنسوني وانتظروني لما استحم وألبس وأتريح وأدوني تذكرة مجاناً ومعاها كمان حق العشاء برضو ماحامشي للإستاد عشان أمرض روحي بالفرجة على اللاعبين المسخرة ديل ونحن ناقصين ضغط وسكري وتصلّب شرايين. * إذن فقد وضحت الرؤيا وتأكد بأن جمهور ودمدني الذوّاق لن يعود مجدداً إلى المدرجات إلا بعد أن تعود أندية ودمدني لنهجها القديم بالاعتماد على الموهوبين من أبناء هذه المدينة.. بعد الاستغناء عن (العمالة المستجلبة) التي ينحصر همها في حصد المال دون أي عطاء يذكر مقابل ما لهفوه من ملايين كان يمكن الاستعانة بها في صقل وإعداد الكثير من المواهب الكروية المتوفرة في ملاعب الدباغة والمزاد ومارنجان ودردق والجزيرة وبانت ومايو وغيرها من أحياء ودمدني التي تعج بالخامات الكروية التي يمكن أن تعيد للناس ذكرى أيام الزمن الجميل.. ولكن ياحسرة فإدارات أنديتنا كزرقاء اليمامة عيونها مصوبة بعيداً نحو لاعبي العاصمة والقضارف وسنار والدمازين والمناقل.. مع أن الثمار اليانعة في متناول أيديهم.