قبل يومين دار حديث داخل مكاتب (آخر لحظة) حول آخر زيارة قام بها عبقري الرواية العربية الراحل الأستاذ الطيب صالح، وتركز الحديث حول الحوار الذي جرى بينه وبين عدد من الصحفيين السودانيين، وكان لكاتب هذه الزاوية شرف ابتداره في إحدى ردهات فندق القصر بالخرطوم بحري عام 2005م وضم عدداً من الزملاء كان من بينهم مدير تحرير (آخر لحظة) الأستاذ عبد العظيم صالح المنتسب وقتذاك لصحيفة (أخبار اليوم) الغراء، ورأينا أن نسعى وراء الذي دار ونُشر يومها، وأن نسعى وراء الحصول على صوره النادرة. لم تمض ساعات حتى جاء كتاب يسعى إلينا يُزينه إهداء على صفحته الأولى - باللون الأخضر - كتبه مؤلف الكتاب، الكاتب والصحفي السوداني الذي يُقيم ويعمل في لندن، الأستاذ خالد الأعيسر جاء نصه كما يلي:- «أسعد كثيراً أن أستهل إهدائي هذا الجهد المتواضع بالأخوة الزملاء، وأخص منهم الأستاذ فلان - كاتب هذه الزاوية - مع فائق التقدير» ثم جاء التوقيع مؤرخاً بالسابع عشر من أغسطس 2010م - الخرطوم. وقد حمل الكتاب عنواناً جاذباً ومؤثراً، هو (آخر كلمات الطيّب صالح). الكتاب صدر عن هيئة الأعمال الفكرية من مائة وستين صفحة، من القطع المتوسط، غلافه من الورق المصقول وعنوانه باللون الأزرق المؤطر بخطوط سوداء، بينما اسم المؤلف مكتوب باللون الأسود، وفي أسفله إشارة إلى أنه من إصدارت هيئة الأعمال الفكرية.. وما بين اسم الكتاب في أعلى الغلاف، والإشارة إلى الجهة التي صدر عنها، جاءت صورة مرسومة بريشة الفنان معتز بدوي، للأديب العالمي الراحل بنظارته سميكة الأُطر، وهو يضع يده على خده، كأنما هو يستمع إلى حديث شيق لا يملك إلا أن يتابعه. ومع سياحة سريعة، وتقليب متأنٍ في صفحات الكتاب الجديد، نجد أن الكاتب الأستاذ خالد الأعيسر، قد بذل جهداً كبيراً ليُقدّم معلومة وراء معلومة تؤكد على وعيه بالتأليف في مجال السيرة الذاتية لأحد الرموز الثقافية مستنداً على حديث مباشر أجراه مع الأديب العالمي الراحل من خلال برنامج تلفزيوني بثته الفضائية السودانية قبيل رحيل الأستاذ الطيّب صالح، وسجّله معه المؤلف في لندن، ثم أضاف إليه مباحث أخرى قامت على ما قاله عدد من الصحفيين والكتاب عن الراحل المُقيم الأستاذ الطيّب صالح ونشرته الصحف قبل رحيله، ثم ما قيل وكتب عن آرائه.. وما قيل وكتب بعد رحيله بأقلام سودانية وعربية انغمست في مداد الحزن والتقدير والتقييم النقدي والعاطفي. جاء الكتاب الجديد، يضم سيرة الأستاذ الراحل الطيّب صالح العطرة وما حمله له الآخرون من تقدير خاص بمنهج هو أقرب لروح وعمل مؤلفه الأستاذ خالد الأعيسر، وهو المنهج الاستقصائي أو منهج التحقيق، بداية من قصة «نخلة على الجدول» التي جاءت تعبيراً عن حنين كاتبها لبيئته السودانية، وهو في «لندن» ثم «حفنة تمر» التي تلتها بعد انقطاع عن الكتابة المنشورة استمر لسبع سنوات حتى ظهرت «دومة ود حامد» في العام 1961م التي نشرتها مجلة «أصوات» اللندنية والتي تُرجمت إلى الإنجليزية في ذات العام ونشرها مترجمها دينيس جونسون ديفيز في مجلة «إنكونتر» - (Encounter) - الأدبية، وكانت تلك هي بداية الانطلاقة الحقيقية والميلاد الأدبي الكبير لأديبنا الطيّب صالح. الآن استعدنا تفاصيل مجمل حوارنا مع الأديب الراحل في ردهات فندق القصر، واقتربت الصورة بتفاصيلها حتى لون البدلة الرصاصية وربطة العنق الغامقة التي جمعت ما بين اللونين الأسود والأزرق الغامق، شديد الحلكة.. لذلك نرى أن نهنيء صديقنا وزميلنا الأستاذ خالد الأعيسر على هذا الجهد المُقدّر، ونسأل الله أن يوفقه في مقبل أيامه وأن يسعى لتوثيق حياة الرموز.. لأننا نفتقد ذلك كثيراً.