معمر القذافي لم يعد اسماً ترتعد منه الأنفس بعد سماعها له، وبقبضة حديدية واعتلى السلطة مسخراً المال والقيادة لسحق كل من يرفع صوته من الليبيين مطالباً أبسط مقومات العدالة الإنسانية ألف كتاباً سماه الكتاب الأخضر، ليكون هادياً ليس لليبيين وحدهم بل للعالم الجاهل من الأفارقة الذين يسعون لهثاً للجود بأموال كان القذافي يمنها عليهم بالأذى والشتائم.. نصب الرجل نفسه أواخر أيامه بعد 42 عاماً من تنفيذ سياسة البطش والتنكيل عميداً للحكام العرب، ثم ما لبث أن دفع أموالاً طائلة لزعماء القبائل الأفريقية ليلاً ليتوجوه نهاراً في مقر الاتحاد الافريقي ملكاً لملوك افريقيا، هكذا كان يعرِّف نفسه.. أما كان يدرك أن لكل أجل كتاب، ولكل طاغية نهاية، من كان حوله كانوا يرسمون له الصورة الهلامية، ولا حديث يعجبه سوى الاطراء والتبجيل والتعظيم له فقط، ولا صورة تعلق في شوارع البلاد إلا صورته هو، فاق الأمر الى حد أن وصفه وزير خارجيته السابق عبد الرحمن شلقم في كتابه (رجال حول القذافي) بجنون العظمة، الفقهاء وشيوخ الدين لم يجدوا له مثيلاً إلا في رعون الذي ندم وخسر بعد فوات الأوان.. أشهر الخطب التي وجهها لشعبه قبيل انفجار 17 فبراير (من أنتم يا جرذان دقت ساعة الزمن.. دقت ساعة الحرب).. هكذا تفوه بها ولم يدرِ أن الساعة التي دقت كانت الأزفة الربانية، القدر المكتوب ونطقت السماء مزمجرة كفاك يا قذافي إذلالا وتنكيلا بالشعب الليبي، الذي لم يستفد بعد من موارده وثرواته المليونية.. نهاية القذافي كانت مؤسفة جداً حتى للذين ناصبوه العداء، شل الرجل تماماً فر كل من كان حوله- السفراء- الحاشية الأبناء صورة مصغرة للآية «يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه»، يمر عام كامل على اغتيال معمر القذافي بعد أن ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً بأفكاره ومعتقداته الغريبة وقصصه العجيبة.. يمر عام والكل يعلم الدور السلبي الذي لعبه القذافي وزمرته في تأجيج الصراع في السودان وغيره من الدول الافريقية.. وبعد 42 عاماً لم يستطع القذافي تدارك أخطائه تجاه شعبه وجيرانه أراد بضعاً من السنوات لتصحيح ومحاولة إعادة كتابة التاريخ من جديد، لكن المحاولة كانت فاشلة، لم تشفع له نداءاته الأخيرة من شرفات باب العزيزية، أعلنها الشعب الليبي ثورة تحفظ بها كرامة الليبي وتكتب للأجيال القادمة تاريخاً أسود وليس أخضر، كما كان يدعي القذافي ثوار ليبيا قادة اليوم، هل بامكانهم محو الماضي وإبراز ليبيا حرة ديمقراطية واعدة، والامتحان سهل إذا ما توافق الجميع، قد تسهل الشعارات رفعها لكن الإنسان دوماً يريد تطبيقاً على أرض الواقع وعلى ليبيا الاستفادة من التجربة السودانية.