المقاهي كانت إحدى وسائل الترفيه الليلية ،قبل ظهور التلفزيون، ويتوافد إليها الناس في رمضان أكثر من بقية الأشهر،وكان الحكواتي أبرز عناصر الجذب إليها، وهو ظاهرة مشتركة تميزت بها المدن الكبرى في بلاد الشام، وفي مقدمتها دمشق وحلب وحمص وطرابلس وبيروت وصيدا وحيفا، وكان لكل مقهى حكواتي خاص به، وقد خف الاهتمام الحكواتي بعد ظهور الإذاعة،و عندما أصبح الراديو أحد عناصر الجذب إلى المقهى، ثم اختفى الحكواتي تماما بعد انتشار التلفزيون، ثم عاد في السنوات الأخيرة في المقاهي ذات الطابع التراثي المتوضعة في الأحياء القديمة، ولكن لم يعد له ذلك الألق السابق، ففي أيام عزه ما إن يباشر الحكواتي بسرد حكاياته حتى يخيم الصمت والهدوء على المكان، أما الآن فمن يحضر ينهمك في تدخين الأركيلة ،أو يجلس خارج المقهى، ولم يبق في المنطقة العربية سوى حكواتي (مقهى النوفرة) الواقعة في شرق الجامع الأموي بدمشق. والحكواتي قصاص شعبي يتخذ مكانه على سدة عالية في صدر المقهى، ويقرأ على الحضور قصة مشهورة ومعروفة بين الناس، وكان الحكواتي أشبه بالممثل، فيقوم ببعض الحركات ،ويرفع صوته حينا ويخفضه حينا آخر، على وقع الحكاية لشد المستمعين إليه، و يتوقف عند عقدة يكون فيها البطل في موقف حرج على أمل اللقاء بهم في اليوم التالي ليتابع لهم السيرة،وما يميز الحكواتي الجيد قدرته على فن الإلقاء والحركات والتعبير، ويعيش من خلال إحساس، ويتأثر بالكلمة والحادثة التي يقرؤها ويعيشها، ويعبر عنها بطريقة مختلفة، أما أجرته فكان يتقاضاها من صاحب المقهى، لكن ما يجود به رواد المقهى على الحكواتي ( نقوط ) كان يشكل مصدر دخل جيدا، ولاسيما إذا كان الزبون راضيا عن النهاية التي ختم بها الحكواتي مصير بطل القصة. وظهر الحكواتي في بعض المسلسلات والمسرحيات الشامية، وأضيف إلى سهرات التلفزيون الرمضانية ،ومنها السهرة التي بثها التلفزيون السوري في رمضان الماضي وأدى دور الحكواتي الفنان نزار أبو حجر، كما نشير إلى ما قامت به إحدى صالات الفنون الجميلة في حلب منذ بضعة أشهر عند افتتاحها، حيث قام حكواتي بقراءة (سيرة عنترة )في معرض الفنان التشكيلي نزار صابور حمل عنوان (عنتر زمانه ) وتدور لوحاته حول الشخصية التاريخية الشهيرة، وقد اشتهر في دمشق عدد ممن عمل في (مهنة الحكواتية)، ووصلت شهرة بعضهم إلى ذكرهم في الكتب والصحف، وبعد ظهور الإذاعة والتلفزيون هجرها أصحابها لأنهم فقدوا السامعين لهم، ومن أشهر من عملوا في هذه المهنة في القرن الثامن عشر سلمان بن حشيش وقد ذكره البديري الحلاق في كتابه الشهير (حوادث دمشق اليومية)، وأشار إلى أن القاصّ الشعبي سلمان بن حشيش، كان في أيامه فريد عصره ووحيد زمانه، وكان يحكي (سيرة الظاهر بيبرس) و(عنترة) و(سيف بن ذي يزن) ونوادر غريبة باللغة التركية والعربية ومع ذلك كان أميا، ومن الحكواتية المعاصرين (أبو شادي) حكواتي (مقهى النوفرة)الواقعة خلف المسجد الأموي بدمشق ، وقد عاد إلى مهنة الحكواتي بطلب من صاحب مقهى النوفرة المرحوم أحمد الرباط. ولكن يمكن القول إن وسائل الاتصال الجديدة عصفت بكثير من عناصر الترفيه في رمضان، وأولها (خيال الظل) ثم( صندوق العجايب) وآخرها( الحكواتي)، ويبقى لكل عصر وسائل الترفيه الخاصة به، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أي منها أكثر متعة ، لنتابع ما يقال عن وسائل الترفيه في عصرنا ففيها إجابة شافية. يذكر أن الصحافي والأديب السوري الراحل عبد الغني العطري في أوراقه الصحفية اسم حكواتي (مقهى الحدادين) في باب الجابية بدمشق ، أسمه (أبو عادل)، الذي ورث مهنة الحكواتية عن أبيه وجده،فكان حكواتي بن حكواتي، وظل يحكي في رمضان حتى أواخر الستينيات عندما سرق التلفزيون رواد المقاهي, وكان (أبو عادل) كما يصفه عبد الغني العطري يجلس على كرسي عال ويرشف من القهوة ليجدد نشاطه ويركز طربوشه ويبرم شاربيه ثم يمسك الكتاب ليتابع القراءة.