كيف يمارس الناس فكرة الترفيه إبان عطلة العيد، وماذا يعني الترفيه لهم، هل يبقون في منازلهم أسرى جدرانها مستسلمين لغارات التلفزيون- السمعبصرية- أم قابعين تحت الغطاء نياماً؟؟.. هل يخرجون إلى الحدائق والمتنزهات؟ أم يرتادون السينما ودور المسرح؟؟ أم يكتفون بزيارات العيد للأهل والأصدقاء وقبلهم الجيران؟ ما هي الفوائد النفسية والاجتماعية للترفيه؟ وما هي اللحظة التي يمكن أن يسم بها الشخص، أنه في حالة ترفيه؟ نحاول في المساحة التالية الإجابة عن كل هذه الأسئلة وغيرها.. ثقافة الترفيه ناقصة.. بنى السياحة والتنزه ضعيفة.. والأسر لا تجد راحتها في الحدائق العامة.. فما العمل؟؟ باحثة نفسية: الترفيه هو كل تغيير يطال المزاج مصور فوتوغرافي: ونسة الأصحاب أسمى أشكال الترفيه باحث اجتماعي: الخطورة تكمن في الوصمة الاجتماعية المترتبة على التوصيف الإعلامي لبعض ضروب الترفيه تحقيق: عادل حسون الترفيه.. المعنى والقيمة: هو أي نشاط يقوم بتوفير تسلية أو يسمح للأشخاص بإلهاء أنفسهم في أوقات الفراغ، كما هو الحال في مشاهدة الأوبرا أو السينما، والأنشطة التي تنطوي على المشاركة في الألعاب أو الرياضة تعتبر في أكثر الأحيان ترفيهاً. وتسمى الصناعة التي تقوم بتوفير الترفيه بصناعة الترفيه، وهناك العديد من أشكال الترفيه، التي ترضي الأذواق الخاصة. فعلى سبيل المثال، هناك السينما، المسرح، الرياضة، الألعاب، والتي ترضي فئات مختلفة من الناس. ويمكن تقسيمها أيضاً إلى مجموعات على أساس عمر الأشخاص المهتمين، مثل ترفيه الأطفال أو ترفيه الكبار. على سبيل المثال، الدمى، المهرج، الإيمائية والكرتون كلهم يميلون إلى مناشدة الأطفال، ومع ذلك يمكن إيجادها ممتعة للبالغين أيضاً. العيد.. ملامح الترفيه: الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعلنت بأن عطلة عيد الفطر المبارك للعاملين بالدولة تبدأ يوم الخميس 9/9/2010م حتى يوم الأحد 12/9/2010م، على أن يزاول العاملون أعمالهم يوم الاثنين 13/9/ الجاري. وهكذا بدأت عطلة الأعياد بأيامها الأربعة، فأين موقع الترفيه في هذه الأيام؟؟ يعتبر أهل السودان عيد الفطر من أهم المناسبات التي يجب أن يكونوا على أتم الاستعداد لها. ففي منتصف شهر رمضان المبارك يقوم البيت على قدم وساق للاستعداد لهذه المناسبة، وتقوم ربة المنزل بإعداد أصناف الحلوى وألوان الكعك والخبيز مثل "القُريبة" و"البيتي فور" و"البسكويت" بكميات وافرة تكفي إكرام الزائرين الذين يتوافدون على البيت. وتؤدى صلاة العيد في الساحات قرب المساجد، والتي يشهدها الجميع، حيث يتبادلون التهاني ويهنئ بعضهم بعضاً بانتهاء شهر رمضان وقدوم العيد. وفي يوم العيد يخرج الرجال بإفطارهم إلى الشارع كما كانوا يفعلون في رمضان، فيفطرون جميعاً، ويعيّد بعضهم على بعض. وبعد الغداء وصلاة العصر ينطلق الناس لزيارة الأهل والأقارب والأصحاب في الأحياء الأخرى، وتستمر الزيارات طوال الأيام الأولى من شهر شوال، حيث تنظم الرحلات العائلية والشبابية. وأكثر ما يميز العيد في السودان أن الناس يتوجهون إلى تمضية أوقات جميلة مع بعضهم البعض على ضفاف نهر النيل، في تلك الحدائق الغناء والساحات الخضراء، والمتنزهات الجميلة، ويحرص كثير من السودانيين المقيمين في المدن على قضاء عطلة العيد في قراهم بين أهلهم وأقربائهم. الترفيه.. تحولات المزاج: تقول الباحثة النفسية والاجتماعية، الأستاذة انتصار العقلي، حول مفهوم الترفيه إنه يعني الفرح والإحساس المشترك مع الآخرين بتبادل المشاعر الطيبة التي تتبدى في تبادل الأمنيات الطيبة التي نتمناها للآخرين ويتمنونها لنا. ومواصلة الأرحام تضيف بدورها قدراً من السعادة والتواصل وتمتن العلاقات الاجتماعية، وهذا نوع من أنواع الترفيه، فمجرد دخول الزائر عليهم لتهنئتهم بالعيد تدخل البهجة في النفس والفرح، لذلك تأثيره على الإحساس كما لو التقى اثنان وكل يرتاح للآخر، فينقل الإنسان إلى حالة نفسية أفضل لشعوره بالاقتراب من الآخرين وانتمائه لهم ومحبتهم. وتواصل، بأن الترفيه هو انتقال الحالة المزاجية "الموود" من حالٍ إلى حال، لأن الترفيه يرتبط بالمزاج، ومن ذلك أن يستمع الإنسان إلى كلام منظوم أو إلى الموسيقى الجميلة، أو الوجود والنظر إلى مكان مخضر، أو منظر مياه أو سماء صافية، وكل ذلك يضفي راحة في النفس تفضي إلى الترفيه. وترى أن الترفيه ليس قاصراً على البرامج الأدبية، دراما ومسرح، فذلك غير متاح بالنسبة لنا وينقصنا الكثير في هذا المجال، مثل المسارح المهيأة، والتي في أقرب الدول بجوارنا، مصر، وهو ما يجعل كل أهلها يتخذون هذا النوع من الترفيه. وفي إجابتها عن سؤال (الأخبار) حول صحة إطلاق وصف الترفيه على ذلك النمط من الترويح المتجاوز للأطر والسياج الاجتماعي والديني، بمثال رحلات المجون والجنس ولعب القمار، قالت إن ذلك يعد ترفيهاً لأنه توفر فيه الشرط الأساسي، وهو الخروج من حالة المزاج إلى حالة مختلفة. ومثل هذه الرحلات هي نوع من التغيير الذي يتجاوز حالة الرتابة. وشئنا أم أبينا تُعد هذه الرحلات ترفيهاً، أما كونه مرغوباً أم لا، فهي قصة أخرى. (الونسة) هي الترفيه الحقيقي: توقفت (الأخبار) مع إفادة المصور الفوتوغرافي، محمد مرزوق، والذي يرى بأن العيد أصلاً مناسبة غير عادية يأتي مرة ومرتان في السنة، وبعيداً عن رمضان رغم أنه مرتبط ارتباطاً كاملاً بشهر الصيام. ولكن في حياتنا اليوم وغداً وحتى نهاية إجازة العيد، يكون رمضان قد دخل في مرحلة النسيان، وبدأت فعاليات العيد في أيامه الثلاثة. ويقول مرزوق إنه يرفه حالياً في منزله وبرفقة أصدقائه مجموعة "أورباب" للفنون التراثية، ومجرد "الونسة" في يوم ليس كالأيام العادية يكون موضوعها مرتبطاً بالمناسبة فهو ترفيه كامل. وينبه إلى أن أنواع الترفيه متعددة، فهناك من يشتري لعبة الورق "الكوتشينة" منذ يوم وقفة العيد ليلعب بها مع أصدقائه طوال أيام العيد، وهذا الشخص يعتقد بأنه رفه كما يجب. وهناك ترفيه الأطفال في الحدائق والمتنزهات. وهناك شخص يخرج من بعد صلاة العيد في زيارات معايدة لأقاربه ولا يعود منها إلا في منتصف الليل، ويكون أسعد الناس، لأنه رفه عن نفسه بالطريقة التي هو مقتنع بها. ويقول أيضاً إن هناك أعداداً ضخمة من الكبار والصغار تخرج إلى محال تأجير الدراجات الهوائية والنارية والسيارات، وكثيراً ما تجد الأب استأجر لأبنه دراجة يلعب بها، كما في ميدان المنتصر بأم درمان حي بانت، وتجد الجميع فرحين، بل ومن يقع من على الدراجة لا يبكي بل يضحك ويتشارك المتفرجون الضحك على وقعته، وهم يرفهون بضحكهم هذا. بمعنى، هناك أناس ترفيهم أن يقع أحدهم ليضحكوا عليه، وتجدهم متحلقين حول الميدان منذ الصباح في انتظار مشهد كهذا. ويتفق محمد مرزوق مع الإفادات السابقة حيث يقطع بغياب ترفيه المسرح والسينما، ويضيف:.. لذلك نحن شغالين في البديل، وهو الحياة العادية اليومية، وهي الترفيه الحقيقي، فزيارة أصحابي لي حالياً هي قمة ترفيهي لهذا العيد.. يضيف مكملاً. مقومات الترفيه.. حالة غياب: الصحفي والناشط نزار عبد المجيد، يفيدنا برؤية مختلفة، فهو يرى أن ثقافة الترفيه غير مكتملة عندنا في السودان. ويعزو الأسباب وراء ذلك لشح أماكن الترفيه وعدم استغلال مقومات الترفيه من حولنا، من نيل وصحارى وغابات، أو تأهيل الأماكن السياحية أو خدمات التنزه والترفيه، وكذا غياب ثقافة التعامل مع هذه الأماكن كمواقع أثرية ذات جذب سياحي. كما يرى أن العلاقات الاجتماعية أضحت متشابكة، وهي تحدٍ في نقل فكرة الترفيه من خلال الجولات والمعايدات للأهل في أيام العيد. ويتحسر عبد المجيد، لعدم الاهتمام بمناطق مثل شلال السبلوقة وبحيرة خزان جبل أولياء، ويقول إنها متنفسات للأسر، التي لا تجد حريتها في الحدائق العامة، حيث تختلط السلوكيات السالبة برغبة الأسر في قضاء وقت هادئ بدون مشاكل قد تنجم من مضايقات تحدث للفتيات، وكذلك تشدد الشرطة بما يشبه التضييق على حرية تنزه المواطنين. هذا كله يجعل الناس يحجمون عن هذا النوع من الترفيه. جاءت تكحلها.. فعمتها: الناشط الطلابي والباحث الاجتماعي القيادي السابق باتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وائل طه، أجاب عن تساؤل (الأخبار) حول الترفيه والأجواء المهيأة له ومترتباته على المجتمع والشباب بشكل أخص، بأن الإجابة عن هذا السؤال من شقين اثنين، الأول اقتصادي، يتعلق بالبنية التحتية والمنشآت المتعلقة بالترفيه، وهي غير متوفرة. وأما الثاني، فهو البعد الاجتماعي، الذي يتضمن القيم الاجتماعية والمدلول الاجتماعي للترفيه من وجهة نظر المرفه، ومن وجهة نظر المجتمع. هنا تدخل مسألة القوانين الاجتماعية، على سبيل المثال قانون النظام العام. ويصوب طه إلى أن البنية التحتية للترفيه بفرضية توفرها، فإن الإمكانية الاقتصادية غير متوفرة، لذلك يتمثل الترفيه في الرحلات إلى أماكن بسيطة، كمثال منطقة ود العقلي بالكلاكلة. وهنا تدخل القوانين والنظام العام الذي يفترض بسوء نية أن هذه الرحلات تحتوي على اختلاط وشرب خمر، وتعاطي مخدرات، ولعب قمار. ويلفت إلى أن الخطورة أصبحت في الوصمة الاجتماعية، بمعنى التوصيف الإعلامي في بعض الصحف المتخصصة في الجريمة الاجتماعية والتي تشّرب بها المجتمع، وأصبحت من ثمّ أماكن الترفيه البسيط أو أنماط الترفيه البسيط، كالرحلات، وصمة اجتماعية بذاتها. ويخلص وائل طه، إلى أن كل هذا يدفع الشباب إلى خيارات أخرى، كالصالات المغلقة أو الشقق المفروشة، وهذا من باب الاضطرار، لأن الحكومة والدولة لم تمنحهم خياراً آخر سوى المعالجات في الأماكن المغلقة وبحيث يحدث الانفلات والمخدرات وتدمير القيم الاجتماعية نفسها كنتيجة لهذا التضييق، وبما ينتهي في المحصلة إلى مشكلة وليس حلاً. لكل شرعة ومنهاجاً: تبين لي بعد الإفادات السابقة وبالمقارنة مع ملاحظات شخصية، أنه لا يمكن تأطير الترفيه في نوع بعينه أو إجبار الكل على طرق طريقة معينة للترويح. فمع اختلاف الخلفيات الاجتماعية والتربوية- التعليمية، الثقافية وربما الدينية، يصبح من الغائية فتح الباب على مصراعيه لكفالة الحق في الترويح عن النفس، والاحتفال بالعيد في مناخ جديد يدفع إلى الناس بشحنات وطاقات إضافية تؤهلهم للإقبال على الواقع العملي بشهية قوية، وليس باكتئاب أو إحباط أو يأس على أسس من فقدان القناعة، وقبلها الأمل، في ترتيب وسائل مشروعة للترفيه بما لا يخدش بحقوق المجتمع، وبما لا يؤثر على حرية المرفه، فالعيد سمي عيداً سعيداً، أي ليس عيداً للقنوط وعذاب الضمير وأحاسيس القهر والحقد على المجتمع وفوقه الدولة. فهل يا ترى تصعب الموازنة بين حرية الفرد وحقوق المجتمع في جوانب الترفيه؟؟ آمل أن يكون ما سبق قد أجاب عن التساؤل!! تحقيق: عادل حسون