نقابة الأطباء تذر الرماد في العيون ببيان تحذيري للصحفيين لكي لا يتناولوا أخطاء الأطباء. بل ويهددونهم بمحامين ستدفع أجورهم شركات التأمين. لا يجب على الصحافة أن تعكس الحكايات التي ملأت المجالس الخاصة.، مثل : أن فلاناً دخل غرفة العمليات بقدميه وخرج جنازة ، أو فلاناً شرب دواءً بالخطأ ، أو أخري كادت أن تموت تحت الدرب بمجرد أن سرت أول قطرة من دم خارجي. وأنا نفسي كنت ضحية لطبيب أقل ما فيه أنه كان ضعيف فنياً.في موقفين: في عملية تنظيف أذن وعملية خلع ضرس.في الحالتين دخلت في حالة إغماء.والغريب أن السيد(الدكتور) وهو يخلع ضرسي بدون مخدر كان يصرخ في وجهي: خليك جعلي!! ولا ادري إن كانت جرعة البنج غير كافية أم أنها كانت مغشوشة. قلت له لا أريد أن أكون جعلياً أريد فقط أن اخلع ضرسي بدون آلام وكفي !! كنا قد تورطنا معاً .. كان عليه أن يكمل المهمة وكان عليً أن أكون جعلياً وعند خلع الضرس بعد صراع عنيف كنت قد فقدت وعييً!! وعندما تذكرت وأنا في الطريق أنني نسيت طاقيتي أقسمت أن لا أعود لكي لا أري وجه هذا الطبيب. كنت كغيري ضحية الخدمات الرديئة في المستشفيات الحكومية. والمواطن أمامه نوعين من الأطباء: أطباء التذاكر الرخيصة وأطباء المستوصفات الخاصة.هكذا كنا نقول قبل سنوات معدودة ولكن الآن الأزمة انتقلت حتى إلى المستوصفات الخاصة ولدي قصة أخري في عيادة خاصة للأنف والأذن لا أملك لها هنا مساحة. وعلي ذكر الخدمات الرديئة، نبحث في العيادات المحولة .سنجد أن الاختصاصي له يوم واحد في الأسبوع. في هذا اليوم المشهود يأتي حملة الأوراق وهم بالمئات. ينتظرون في صفوف منذ صلاة الصبح ليقبل منهم (15) مريضاً ثم يرجع الباقون على وعد تعال الأسبوع القادم . إذن(بالعربي كده) ابحثوا عن عيادة خارجية. أمام هذه الخيارات المرُة لا يملك المواطن سوي أن يفش غلو في مجالسه الخاصة وهي بالمناسبة طريقة مهذبة جدا ، أما أولئك الذين يأخذون حقوقهم بأيديهم أعدادهم في تزايد وعليكم متابعة قضايا المحاكم قبل أيام معدودة (28/8 ) نشرت هذه الجريدة قصة السستر التي ضربت بالكف وسحبت بالأرض، من قبل أحد المواطنين لأنها رفضت إعطاء رقم تلفون الطبيب المعالج. زوجة المتهم كانت في غسيل كلي وتفاقمت حالتها.أدانت المحكمة هذا المواطن بسجنه (7) أيام وغرامة ألف جنيه، ويبدو أن المحكمة راعت الحالة النفسية للمتهم ولكن محامي الاتهام استأنف باعتبار إن العقوبة غير رادعة.. المأساة هنا معمقة بحيث انك لا تدري أين تتجه لتحديد مصدر الخطأ ومن المسئول ولكن من حسن الحظ أن المحكمة كانت عادلة المكيال !.عندما كثرت مثل هذه الحوادث مع كثرة الخرجين غير المؤهلين . اضطرت الصحافة لتعكس هذه القصص أحيانا في عناوين عريضة مثل مواطن أجريت له ثلاث عمليات بواسير بالخرطوم عن طريق الخطأ والأردن تسخر(لها وله) عدد 28 مايو 2012م ). أو مثل تلك القصة التي أوردتها أخر لحظة (23/8) : عن طبيب يواجه تهمة القتل الخطأ لمريض باستئصال كليته وتؤكد عمليات التشريح أن الكلية التي أرسلت سليمة، وأن هناك جرح في مكان الكلية في الجثة!! وعلى لسان الدكاترة أنفسهم تناقش الصحافة ظاهرة أفحص برًه هم أنفسهم ينصحون بذلك، وهذا اعتراف واضح بالضعف الفني. هذه الأخطاء القاتلة كما ذكرنا من قبل لم تعد قاصرة على المستشفيات الحكومية بل امتدت إلى المستوصفات الراقية والقصة السابقة حدثت في مستوصف. تراكم هذه الأخبار دفع الصحافة لتسخر من حكاية(توطين العلاج بالداخل). مالنا وهذا أصبحنا نقرأ في إعلانات صحفية عن مستوصفات تقدم خدماتها تحت عنوان طاقم طبي أجنبي مثل هذه الإعلانات مؤشر خطر لحالة هذه المهنة في السودان. رغم كل ذلك يجب أن نعترف أن مثل هذه الإعلانات تثير الأمن والطمأنينة، حتى في أولئك الذين لا يستفيدون منها مثلى لأسعارها الخرافية. المجلس الطبي يعترف بالمشكلة رغم انه يحاول أن يجد لها مبرراً باعتبارها قضية عالمية ! ثم يعود ويقول أن عدد محضري العمليات في السودان لا يتجاوز ال(150 طبيباً) نصفهم في المستوصفات ، والباقي في المستشفيات الحكومية. عزيزي القارئ لك أن تتخيل كيف يكون هذا الطبيب مضطراً ليقدم خدمة رديئة لرواد الخدمات الحكومية وهم يمثلون أكثر من 95% من الشعب السوداني أمام إغراءات الأجر في المستوصفات. تستطيع النقابة أن تغلق أفواه الصحافة التي تنقل نبض الشارع، وليس من السهل على المتضرر أن يشرح للمحكمة كيف مات فلان سوى القول انه دخل بقدميه وخرج جنازة. ولكننا هنا نستطيع أن نعضد هذه الإدعاءات مستندين على اعترافات داوية لوزير دولة في الصحة وهو السيد الخير النور المبارك قال بارك الله فيه بالاتي:- 1 . نقص حاد في الدواء وعجز في التمويل . 2 . نقص كبير في الكوادر وقال بصوت عال الصحافة -12 يونيو 2012م(ان الذين يشرفون على عمليات التخدير في المستشفيات ليسوا اختصاصيي تخدير بل هم مساعدو تخدير يباشرون عملهم كاختصاصيين ..). هنا اعتراف صريح بتوفر عامل الضعف الفني في محضر العملية، وفني التخدير نصب نفسه بالقوة كاختصاصي وفوق ذلك عدم وجود محاليل وريديه وعقاقير.إذا كان الحال هذه: لماذا لا يكون المنطق قائماً في ادعاء فلان الذي يقول أنه رأي مريضه دخل غرفة العمليات سليما ليخرج جنازة؟!! محاولات تكميم الأفواه بالملاحقات القانونية لن تجدي. يجب الاعتراف أولا بأزمات مهنة الطب لأنها من أخطر المهن في الدولة ، ثم بعد ذلك البحث عن الحلول، أو اتركوا الناس في حالهم!!. أما الإصرار على الحلول الاستبدادية فلن يؤدي إلا إلى فش الغل بضرب الطبيب أو تكسير العيادة. ورغم أن الإرهاصات قد بانت ولكن نحمد الله إنها ما زالت في مساحات ضيقة.من حسن الحظ، المجتمع السوداني لم يخرج بعد من دائرة الرجل الطيب ولكن نخشي إذا استمر الحال على هذا أن يتحول المجتمع هنا إلى وحش كما تحول المجتمع الصيني. استمر الصينيون في العهد الشيوعي في طمس الظواهر الاجتماعية بالقوة حتى تحول(الصيني الطيب)إلى وحش كاسر. انتشرت ظاهرة جلد الأطباء من قبل أهل المرضي حتى طالب مسئولون صينيون تعيين ضباط شرطه كنواب أطباء . في إحصائية نشرت تحت عنوان العنف في المستشفيات ذكروا ان المرضي وأقربائهم جرحوا في المستشفيات ما يقارب(5.500) من العاملين في الحقل الطبي. نقلوا عن جراح أعصاب قوله: انه يريد قاعدة دائمة للبوليس في المستشفي لأنه يشعر دائما بالخطر في تلك التقارير قصص مثل: ü ابن رجل مريض بسرطان الكبد طعن طبيباً حتى الموت!! ü احد المرضي أشعل النار في احد المستشفيات وأصاب ثلاثة أطباء بحروق شديدة. ü طبيب يقفز من الطابق الخامس لأن أقارب طفل حديث الولادة هاجموه عندما مات الطفل. ومن مفارقات هذه المعالجات المتوحشة أن أقرباء المرضي المتوفين بالأخطاء الطبية نظموا احتجاجاً ثم اجبروا الأطباء على لبس الحداد تكفيراً على أخطائهم!!. هنالك أيضا في الصين الغنية فقراء ومستشفيات متروكة لاقتصاد السوق ، والصين مصنفه بأنها من الأنظمة غير العادلة في الرعاية الصحية . هناك أيضا كما في السودان : الوصفات الطبية غير المجدية ، التلاعب بالأدوية، رواتب الأطباء الهزيلة. وهم أيضا ضعفاء فنياً ويشكون من عدم التقدير والثقة بالنفس. تشعر كأنما المشكلة منقولة من هناك بالكربون، إلا هذا الشعب الطيب في السودان لا مثيل له في العالم. هناك أيضا سئم الأطباء من الإضرابات والاعتصامات ويجلدهم الشرطة أيضا وهم في الميز نسبة الاكتئاب بين الدكاترة في الصين ( 1 /4) حتماً النسبة مرتفعة في السودان وقد تبلغ (3/4) ..والله يكضب الشينة ..