الحمد لله الذي أحيانا إلى يومنا هذا لنشهد يوما تعاهد فيه الصادقون، وتنادوا لتمليك الأجيال الحديثة، إرثا تاريخيا عظيما إسمه البنك الإسلامي لغرب السودان، ذلك الإرث الذي لا ينكر عظمته إلا حاقد. والحمد لله الذي أنطق الأستاذ علي أبو زيد فألقى بإثارته للموضوع صخرة على عصي هامد. والحمد لله الذي أنعم علينا بشهادة سخية ملؤها المروءة والرصانة، كان مصدرها خبرة وكفاءة شهدت على العصر تمثلت في شخص الدكتور يحيي محمد محمود الملك. إن البنك الإسلامي لغرب السودان، والذي بدأ ممارسة العمل المصرفي ضمن منظومة القطاع المصرفي بالسودان في سبتمبر 1984، لم يكن مجرد مؤسسة مصرفية تهدف إلى تحقيق الربح، واستباحة الموارد بتوجيهها لخدمة المصالح الشخصية لمن يستأثر بالنسبة الغالبة من أسهم رأس المال، بل كان البنك مدرسة ذات رسالة فريدة , عبر عن ذلك الأستاذ علي أبو زيد علي في مقاله المنشور بجريدة آخر لحظة، وذلك بقوله: (يعتبر مشروع البنك الإسلامي لغرب السودان، يومها، من أكبر الأفكار التي جاءت بها عبقرية البسطاء من غرب السودان ويعتبر عنوانا عمليا لمشاركة القاعدة الشعبية في النهوض بالخدمات وإحداث التنمية و عملا ذاتيا في ازالة الشعور بالتهميش والثخلف والغبن الجهوي ) وكتب الدكتور يحيي محمد محمود الملك العضو التاريخي لمجلس إدارة البنك في مقاله المنشور بجريدة آخر لحظة أيضا حيث قال: ( بدأ مجلس إدارة البنك زاهدا وقويا ومتجردا وبخبرات عالية وتم اختيار كوادر مؤهلة ولم يقتصر التوظيف على أبناء الغرب فقط ونحن نرى أحد البنوك الجهوية لا يوظف إلا أبناء تلك الجهة، ففي الغرب عنصرية وهناك أمر عاد) بدأ البنك الإسلامي لغرب السودان بخطى ثابتة تدعمها برامج متقنة، وسياسة تنفيذية محكمة، بذل المؤسسون فيها جهدا صادقا، وعملا دؤوبا تجاوزوا به كل العراقيل والمعاكسات المفتعلة، مسلحين في ذلك بإيمانهم العميق وحماسهم الدافق. فقد أمضوا وقتا ليس بالقصير في طرح الفكرة وتداولها وحشد الداعمين لها. ثم كانت مرحلة تطوع المؤسسين ومن ثم إقرار النظام الأساسي وتوزيع حصة أسهم التأسيس بالتساوي فيما بينهم. ذلك دون طمع في أفضلية أو سعي للتكويش فيما بعد, أو التغول على حقوق الآخرين. وهكذا أصبح الحلم حقيقة. وبدأت حملة الاكتتاب الأولى فكانت استجابة شعب (كردفور) تجاوبا مع الهدف السامي والذي تمثل في استقطاب الموارد واستخدامها في تنمية كردفان ودارفور. وأخيرا انطلقت الحملة وتم إكتتاب الأسهم اللازمة لممارسة البنك لنشاطه خلال فترة وجيزة استطاع المؤسسون بفضلها إعلان تاريخ الافتتاح. إن ما توجب الأمانة ذكره في هذا الإطار التوثيقي هو ذلك التجاوب المذهل من شعب دارفور وكردفان مع نداء الحملة، حيث بلغ عدد صغار المساهمين حوالي تسعة آلف شخص تتراوح أعداد أسهمهم ما بين العشرة اسهم و الاف سهم وهم من عامة الناس وليسوا من الرأسماليين أو الأغنياء أصحاب المدخرات الذين يهدفون إلى تعظيم أرباحهم، أو الاستفادة المباشرة من خدمات البنك. بل كان هدفهم دعم فكرة وقيام المشروع انطلاقا من إيمانهم بضرورة التلاحم من أجل بناء وتنمية إقليميهم. وقد كان أكثر من خمسين بالمئة من هؤلاءالمساهمين قد اشتروا أسهما من قبيل التبرع وليس من قبيل الاستثمار والحصول على العائد النقدي المباشر..إن البنك الإسلامي لغرب السودان كان بقعة طاهرة، تصاهرت فيها نفوس طيبة، وتمازجت من خلالها قيم متسامحة أضافت لصناعة القطاع المصرفي لونية خاصة لآليات خدمة العملاء، وإدارة معاملاتهم، حيث ظل الموظف آنذاك رمزا للموظف الرسالي الذي يؤمن بمسؤوليته كعنصر من عناصر المنظومة. وبذلك يكون أداؤه المهني محكوما برسالة المؤسسة التي تقوم على أهداف التأسيس الواردة في النظام الأساسي وبرامج تحقيقها التي يرسمها مجلس الإدارة بين الحين والآخر. ولذلك نجدهم، أي الموظفين، قد أبدعوا أيما إبداع حينما أرسوا وبقيادة وإشراف الإدارة التنفيذية المؤمنة أرسوا قواعد خطة انطلاق البنك في سنواته الأولى، متحدين في ذلك محدودية رأس المال الابتدائي وهشاشة القدرة التنافسية، هذا فضلا عن ضعف البنيات الأساسية للنشاط المصرفي بالبقعة الجغرافية المستهدفة (كردفان ودارفور). ورغم ذلك تمكن البنك الإسلامي لغرب السودان من فرض وجوده وتصدره لقائمة ريادة القطاع المصرفي عبر إنتشاره في الإقليمين من خلال افتتاحه لفروع في مناطق لم يكن ليعلم أي من كان بأهميتها الاقتصادية، وميزاتها التجارية (غبيش في كردفان وقريضة في دارفور).. تم كل ذلك بفضل إيمان العاملين في البنك وإدارتهم التنفيذية الصادقة في توجهها ومجلس إدارته الذي كان يعلم جيدا حدود مسؤولياته ومستوى صلاحياته وإيمان أعضائه بأهداف المشروع ونبل مقاصده، فضلا عن تمتعهم بدرجة عالية من المهنية المحصنة بفنون المعرفة والدراية والخبرة الطويلة التي أسهمت في رفع معدل الكفاءة. كل تلك الصفات القيمة كانت حائلا بينهم وحب الذات أو شخصنة السياسات والقرارات والكل يشهد على زهدهم. فلم يستخدم أي منهم عربة من عربات البنك يوما سواء لغرض شخصي أو رسمي. كذلك لم يعرفوا الأسفار والتجوال في العواصم العالمية على حساب البنك، أو تخصيص الحوافز المليونية، أو الاستئثار بفرص التمويل المصرفي بلا حدود، أو التدخل المباشر والتأثير علي الإدارة التنفيذية للتمييز بين العملاء المقصرين والعمليات المتعثرة. تكاملت تلك الجهود على مستوياتها الثلاثة فتشكل بذلك مستوى الانتماء المؤسسي الذي تمكن من خلاله القوم من جعل البنك الإسلامي لغرب السودان إخطبوطا أقلق مضاجع قوم آخرين ففكروا ثم دبروا، وذبحوا، ثم سلخوا. على الرغم من الاستهداف المنظم والمؤامرة الدنيئة التي طليت على البنك خلال العقدين الأولين من عمره فقد تمكن البنك من مجابهتها والتأقلم مع معطياتها وإفرازاتها بما لديه من ذخيرة قوامها الإيمان بالفكرة والتفاعل مع مقوماتها. ذلك هو الأمر الذي جعل المتعاملون أنفسهم يتعاملون مع البنك بلا حدود وذلك لما لمسوه من جدية وصدق. ولكن ببزوغ العقد الثالث من عمره وظهور (أغنياء الفجأة) ومن خلفهم معجبي (البقالات)، و(فطاحلة) التحليل المالي المفترى عليه سادت البنك سلوكيات جديدة استخدمت معها مفردات غريبة من شاكلة كنس البنك من الوجوه غير الوجيهة، والإتيان بمن هم أوجه منها وذلك للنهوض بالبنك، كما أعربوا. وفي مرحلة الانفصام هذه، وتراكم مؤثرات نقصان الشخصية، وفقدان الذات سادت البنك طقوس الهوس الحضاري والتشبه بما لا يليق برسالة البنك وهويته فيصرح (صبي الكنتين) بأنهم قد جاءوا لقيادة المجلس لإحداث التغيير الإيجابي ومن أهم أهدافهم الإستراتيجية إلغاء كلمتي الغرب والإسلام من البنك. تصوروا أن تكون هذه أشواق من أوكل إليه أمر الإشراف على نشاط مؤسسة ذات رسالة خاصة وهوية أخص نص عليها بنظامه الأساسي الذي وقع عليه المؤسسون في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. في الحلقة القادمة سنواصل الحديث بإذن الله وإرادته عن الازدهار المزيف، وذلك استنادا على تحليل البيانات الرسمية لنرى أي نوع من الازدهار يمكن إدعاؤه لمؤسسة مالية مصروفاتها الإدارية تزيد عن 90 بالمئة من جملة إيراداتها وينفرد الكبير فيها بإستحواذه على أكثر من خمسين بالمئة من الحقيبة الائتمانية للبنك بضمانات لا يمكن تصنيفها الي بأقل من الدرجة الثالثة (ضمان آلة التشغيل محل التمويل طويل الاجل( وسأزيح الستار عن مهازل إجتماع آخر جمعية عمومية أنعم الله علي بحضورها في مارس 2011 لنكشف كيف أن القوم قد استماتوا من أجل اجازة حافزهم الملياري بعد أن طبخوا فريسة مقاعد العضوية الجديدة بليل حتى أنهم أفرطوا في وضع البهارات فإضطروا إلى إعادة فرز صناديق الاقتراع في صباح اليوم التالي بعد أن فوجئوا بفوز أحد المغضوب عليهم من زمرتهم، أو ربما كانت تمثيلية كذلك لإرضاء أحد الموعودين في إطار الموازنة القبلية للتكوين الجهوي الضيق لتركيبة مجلس الإدارة. وستستمر حلقاتنا إن شاء الله لتمليك عامة المساهمين صغارهم وكبارهم عن عبقريات الإدارة التنفيذية وفهلوتها في (تنمية) أصول البنك، و(توسعة) مواعين موارده، و(كبح جماح) ديونه المتعثرة، هذا بالإضافة إلي إحداث (الثورة) الجمالية للأصول الرأسمالية والبشرية، وإعادة التركيبة (النوعية) للعاملين بما في ذلك تزيين ملفات إدارة شؤون الافراد باسماء يعتقد أنها أكثر فاعلية في جذب الودائع وتصفية العمليات الاستثمارية في مواعيدها. ولعل ظاهرة إلغاء ملفات باسماء مثل (بلدو وارنديلا والحلو وهنوة) واستبدالها بإسماء مثل (تامر ومهند ولمياء وسوسو) قد كانت في إطار ذلك الاعتقاد. üمقيم بالولايات المتحدة