كتبت له ذات مساء حزين رسالة إلكترونية خارجة من ردهات القلب ، جواب تنبض حروفه بالحزن الشفيف ، كتبت له بعد أن تعرضت لفاجعة تهد « جمال الشيل « ، بعد أن صفعتها الأقدار وكتبت في كراسة أيامها ملحمة بطعم الفجيعة ، قالت وهي تركض من أقصى دواخلها المعتمة بالشجن ، كانت مواساة الأحبة والأصدقاء بمثابة روشتة مؤقتة لتسكين الألم والقبض على الفرح الهارب من أيامي ، أضاءت رسائلهم وتعازيهم وكلماتهم وتواصل الحميم نوافذ معتمة ، عرفت لحظتها ، كيف تكون المواساة وكيف ينبت الألم من رحم الزمن ، لكن بمرور الأيام أشعر أن حزني أصبح معتقا ، حزن أكبر من حياتي ، ومن تفاصيل كل خارطة العمر ، كلما حاولت أن أستفيق أجد ثمة سحابة تتسلل إلى نافذة قلبي ، تمطرني كما السيل العارم ، وترميني على ضفة اللا وجود ، أستيقظ أفتح عيوني أجد نفسي مثل نبته خاصمها الربيع ترتمي على ضفة قاحلة ، حاولت أن أصوغ من حزني أكليلاً لكن وجدت الحزن أكبر ، فهل أنا دون البشر تخيرني الحزن لينصب خيامه ويقيم مأتمه في فضاءاتي حتى إشعار آخر ، في هذا الصباح حاولت نفض غبار الذكرى الفاجعة ، كان صباحا مثل غيره بعد أن دهمني الزمن وأقحم في تفاصيل حياتي سيناريوهات أسيفة ، أذكر كان ذلك الصباح أول يوم في الدوام الدراسي ، وأول اجتماع ل» الكلية « ، كان هناك ورق ، قلم ، كمبيوتر ، لكن ماذا عساي أن أكتب ، لقد انطفأت موسيقاي وأصبح اللحن جنائزيا ، بهت لوني يا إلهي ، تخشبت أصابعي ، لم أتمكن من الكتابة ولا التحضير ، شعرت إنني مبعثرة حد الإفراط ، الحروف حولي أحاول عناقها ، لكنها تستعصي ، في مثل هذا اليوم في أول دوام دراسي ، كانت « ست الحبايب « تحاورني في كل التفاصيل حتى ما يخص مظهري ، وبالحوار معها تأتيك عافية الحياة ، دون ما تسعى إليها أو تفكر فيها ، الآن بعد كل هذه الفترة من الفاجعة استوعبت معني فراق الأحبة وقسوة فراق من تحب والشوق للقياهم ووحشة المكان دونهم ، ووجود الوجود وعدمه ، ليست هذه فلسفة من إنسانة تتعاطى الحزن وتشربه من نبع تطرز ضفتيه أقمار هاربة من الحزن إلى الحزن ، إلى هنا انتهت الرسالة المذبوحة من الحزن الفارط ، في البداية لم يتمكن الرجل من قراءة كامل حروفها ، تشتت أفكاره ، نعم أفكاره ، رغم إنه ليس عاطفيا ولا تعرف الدموع طريقا إلى بند حياته ، لكن خذله وقاره وهربت دمعة رغما عن أنفه ، وتمازجت الشجون ، لحظتها ضغط على أزرار الهاتف الجوال ، كان يرن بشدة ولن لم يأتيه رد من الطرف الآخر .