يا للذكرى ويا للتاريخ!...إنه فى 23 ديسمبر عام 1962 وفي مثل هذه الأيام المفعمة بأريج الاستقلال وسحره، أصبح لبلادنا تلفزيون، رأى النور مبكراً وتحسس ملامحه في حضن الإذاعة وتمشي على النيل وتشرب ثقافة البلد، وروح أهله لينطلق محلياً فولائياً فعالمياً يتحدى الظروف ويواجه المتغيرات ليترك بصماته حيثما توجه، إبداع لا ينضب ومبادرات تتجدد عبر السنين، ليحتفي اليوم بالماضي ويخطط للمستقبل في مبادرة كبرى هي احتفالية لا تضاهي مناسبتها مرور خمسين عاماً على تأسيسه..مبروك. ليس بالإمكان أن نزيد..فالسيرة على كل لسان، فقط نكرر ما لايمله أحد، وهو التحية للعاملين الذين ارتبطوا بهذه المؤسسة القومية على تعاقب أيام النشأة والتطور وارتياد الفضاءات المفتوحة ليواجه تحديات الظروف المالية-ضنينة الوعد..والمنافسة العالمية شرسة الأظافر وليراهن على التنوع والانتشار والثبات على الهوية برغم ذلك.. ماهو مكرر بلا ملل في كل الروايات هو(العاملون)فالمناسبة إنما تحلو بسيرتهم. منذ البداية كانت خطة التحضير للاحتفالية تضع في الاعتبار أن العاملين أولاً، ولكن وعلى طريقة «يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل» نسي العاملون أنفسهم، وهم يدعون الناس للاحتفال بذهبية تلفزيونهم، فتنادوا إليه من كل حدب وصوب، هنأوا وتكلموا ووثقوا للتجربة الفريدة التي لامست وجدانهم وآمالهم.. لقد تعلقوا بتلفزيونهم حتى بعد أن تزاحمت القنوات على غرف النوم. ظلوا يصلون غيرهم وينسون أنفسهم، فدعونا اليوم نتذكرهم ونخصهم بتحية كبيرة الصدى والأثر، والاحتفالية تمضي الى خواتيمها. أكتب هذا متأثراً بخواطر شتى جرت على ألسنة أوفياء للتجربة عديدين، ظلوا ينظرون لبيئة العمل وظروف العاملين على أنها رأسمال هذه المؤسسة، وهي تنطلق بالتجربة لآفاق المستقبل في عالم فضائي متغير مبهور بسحر«الامكانات» ومأخوذ بمعضلة المنافسة. كيف هو حال الوضع الوظيفي اليوم.. مما يمكن أن يؤسس عليه اي مستقبل لتلفزيون ذاك ماضيه وهذا كسبه؟ وماهي بيئة العمل المراد الانطلاق في كنفها نحو أهداف كبيرة مثل الرقمنة والجودة والتميز والهوية والتنوع والانتشار وتعدد القنوات؟. من المقرر أن تثار مثل هذه التساؤلات وغيرها في ملتقى حددته الاحتفالية ذاتها تحت عنوان«ملتقى العاملين» أدرجه الوزير ضمن أولويات جدول أعماله، وتبناه كرئيس للجنة العليا للاحتفالات، وأتوقع أن تكون معالجة هذا البند-«شؤون العاملين»- بمثابة التتويج لما كان عبر الخمسين عاماً المنصرمة فالاحتفالية تعني تهيئة للأجواء للإنطلاق نحو ماهو مرتقب من طفرات تبشر بعطاء أجيال قادمة، تتحين فرصتها لتضيف بمقاييس ذات التميز الذي أحرزه الرواد واحتفظ ببريقه كأعظم ما يهدي لجيل اليوم المتوثب لدوره. الموارد البشرية، الهيكل المواكب، بيئة العمل المعافاة، كلها اعتبارات تسبق ترتيب تطلعات الرقمنة وتحديات الشكل والمحتوى والمنافسة،. أجد صدى لهذه الاستغاثات في حوارات العيد الذهبي، ولقد استوقفني ما كشف عنه الوزير السابق الأستاذ مهدي ابراهيم، حين حل ضيفاً على الفترة الإخبارية كزميل سابق ليجيب على أسئلة المذيع عمر الجزلي أحد المهمومين بأوضاع التلفزيون جراء علة«الامكانات» فيقول إن المقترحات رفعت لدى ولايته غير مرة، ولكن أولويات الدولة تتعدل جراء المستجدات وتحول دون الوفاء بالوعد، وحل مشاكل التلفزيون. الأستاذ عباس عبد الله أحد العارفين بتفاصيل أوجاع التلفزيون واشراقاته، بحكم عمله في عدة إدارات منذ ولاية المدير المهندس حسن أحمد عبدالرحمن تحدث بغيرة متناهية عن «حال» التلفزيون، ففعل بي ما فعل كاتب العرضحالات بمن جاءه يتظلم، وأطلق توصيات أشبه بالاستغاثة(المقر، بيئة العمل، أوضاع العاملين وحقوقهم المتراكمة). أشواق العاملين هذه، وملف الوزير، والخطط الطموحة التي عكف عليها المدير العام الأستاذ محمد حاتم سليمان، وأركان حربه ضمن خطة الاحتفالية تمثل ثلاثية شافية، إذا ما حظيت بالاعتبار وتم تنفيذها.. هي(روشتة) ثلاثية الدفع تستفز الشعور العام وتحشده بكثافة نحو توظيف الاحتفالية لصالح تهيئة بيئة العمل للانطلاقة المنشودة من تلفزيون قومى مكافح، تحول تلقائياً الى قناة فضائية تخاطب العالم وتنجب سلالات عديدة واعدة.. فلتكن (قناة) فعلاً، هيكلاً ووظيفياً مواكباً وبيئة إعلامية منتجة، أما الرسالة شكلاً ومضموناً.. فالعاملون عبر السنين أثبتوا أنهم مهنياً أهل لها، ويتقدمون على غيرهم، فقط مكنوهم بالإنصاف وتجديد الروح. نعم.. فالعاملون أولاً، قبل التكنولوجيا رهان السباق.. ملف مقترحات الوزراء وخطط الإدارات المتعاقبة وتوصيات العاملين جميعها متاحة لتعين الدولة على النهوض بهذه المؤسسة العريقة المحتفى بها.. الوقت ملائم الآن لاتخاذ قرارات دستورية كبيرة بشأن تلفزيون السودان، تبدأ بملف العاملين بتمكينهم أولاً من حقوق معتمدة ظلت رهينة طقوس(التغذية) وعذاباتها المستعذبة لدى البعض بوزارة المالية.. كرموهم في عيدهم ولو بحقوقهم، فهم الأساس. ليكن غداً في تلفزيون السودان يوماً آخر، روح جديدة تغشى هذه المؤسسة العملاقة مع إطلالة (24 ديسمبر 2012).. الدولة أدرى بخطورة الإعلام فلعلها تعيد ترتيب الأولويات فتستثمر فيه لا سيما وهي تعلن عام 2013 عاماً للاستثمار.. أي شيء هو الاستثمار إن لم يكن في الإعلام أولاً؟ . تحية وتقدير للجميع في عيد هو للجميع.. وكل عام وأنتم بخير..