ولد الهدى والكائنات ضياء.. هكذا كانت رحلة ولادة محمد صلي الله عليه وسلم مخرج البشرية من الظلام والضلال الى النور والهدي، وهادي أمة الإسلام إلى الطريق القويم، وكل المذاهب الإسلامية تحتكم الى سنته وشريعته، وأمة السودان كذلك تعظم النبي الكريم وتصلي عليه وتسلم عليه كل يوم وساعة ودقيقة. وقديماً كانت الصوفية في السودان صاحبة القدح المعلى في نشر الدعوة وتشكيل الوعي الديني، وتغذية الوجدان السوداني وقيادته لمحبة الرسول صلوات الله عليه، وأصبح شيوخها أهل حل وعقد، وصارت قبابهم مزارات للتبرك يزورها المريدون علهم يجدون ما سمعوه عن أولئك الصالحين، ولكن من بعد دخول السلفيين السودان اختلت معادلات الولاء، حيث بدأ التيار السلفي يتكون خاصة جماعة أنصار السنة المحمدية، التي تستمد فكرها من المؤسس محمد بن عبد الوهاب في أرض الحجاز، وهذه الجماعة ما يحمد لها أنها قامت على منهج الدعوة بالتي هي أحسن، واستغلت منابرها لمحاربة التبرك بالأولياء الصالحين، وكذلك الاحتفال بالمولد الشريف، وغيرها من نقاط الاختلاف بين أنصار السنة والصوفية. وفي الأعوام الأخيرة اشتد الصراع بين السلفيين والصوفية، خاصة بعد دخول مجموعات سلفية أخرى تأثرت بعوامل الحرب والجهاد، مثل المجاهدين الأفغان، وكذلك المتعاطفين مع القاعدة، والتكفيريين، لذلك يخطئ الكثيرون في وصف تلك الجماعات بأنها جماعة واحدة، والدليل أن أحداث الجرافة التي كان بطلها الخليفي وعباس الدسيس التي استهدفت مسجد أنصار السنة، تلك المجموعات السلفية أصبحت لها إمكانات ووسائل إعلام تتحرك بها لتوصيل مفاهيمها الخاصة بها، لتعزيز قوتها البشرية لتغيير الخارطة المذهبية في السودان، وتسعى إلى الولوج إلى عالم السياسة من خلال مؤشرات التمدد الإعلامي (قنوات وصحف)، والقوة الإعلامية تم اختبارها في مواجهة الكاتب علي يسن وتنشط أحياناً حينما تتقارب المواقف التفاوضية بين السودان وجنوب السودان، وكذلك الحديث عن الدستور السوداني. والآن المولد على أعتاب الدخول، والهواجس الصوفية تزداد، وفي مخيلتنا ما حدث بالعام الماضي، وأصبحت نفسية الشيوخ والمريدين يعشعش فيها الخوف من القادم، وإفساد احتفالية مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولذلك علينا أن نعد أنفسنا مذاهب وجماعات ودولة على ترسيخ مبدأ التسامح والتصافي، نقول نعم للاحتفال بمولد النبي الكريم على الأقل لنؤكد أن رسولنا هو الذي أخرجنا من حالة التعصب للقبائل والمذاهب، وأنه ترك لا إدارة أمر دنيانا، وقال لنا أنتم أدرى بشؤون دنياكم، كيف لا وهو رؤوف رحيم بأمته. إن الخروج من مأزق التصادم المذهبي بين الصوفية والسلفية، هو من صميم مهام مشايخ الطرق وشيوخ السلفية سواء كانوا أنصار سنة، أو سلفية جهادية، أو سرورية وغيرها، لا بد من خارطة طريق تسهم في فض الاشتباك الدعوي بين الطرفين. وهي رسائل إلى السلفيين، وهي إن الصوفية منهج وطريق قديم ساهمت في بناء مجتمع السودان وإدخاله في دين الإسلام، فلها السبق في نشر الدعوة وتركيب النسيج الاجتماعي، وهي تمثل غالبية مسلمي السودان، وعليها قامت أول سلطنة إسلامية في السودان، فلا يمكن أن تترك الصوفية السودانية احتفالها بمولد النبي وهي تحتفل به منذ دولة السلطنة الزرقاء. أما الصوفية في قضايا الخلاف لا أجد لها اعتداء على السلفيين، ولكن عليها ضبط النفس والحكمة والصبر، وهي مميزات التصوف والمحراب والخلوة، وعلى الحكومة القيام بدورها الوقائي من تقليل حدة الصراع في أيام المولد، والأخذ في الاعتبار أن ازدياد مساحات العنف والتباغض والتنافر بين التيارين يجرد المجتمع من أقوى حلقة في التركيب الاجتماعي السوداني، ويعيش المجتمع في حالة استقطاب مذهبي، ونسبح في بحر الاستقطاب بعد أن اشتد في القبلي.. وها هو الدين لا نتفق على شيء، وتطل علينا الفتنة من المساجد ومابين فرقات المصليين. حافر وصهيل تعتبر جماعة أنصارالسنة من أولى الجماعات السلفية في السودان، ولها إسهامات مقدرة في الوعي، ارتبط نشاطها الديني بالدعوة بالتي هي أحسن لمحاربة القباب والتوسل لغير الله، وهي من أكبر التيارات السلفية تنظيماً، وهي الأقرب إلى الاستجابة للتسامح بعد دخولها في المعترك السياسي، وما شهدته من انقسامات. وعلى مخالفي الصوفية في طريقة الاحتفال بالمولد أن يعلموا بأن الوطن لا يقبل الشقاق في الدين، وإن كانت الاحتفالية مخالفة للشرع، فالمساجد ومنابرها تحتمل دعواتكم وادعوا فيها الى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلوهم بالحسنى أو اصمتوا فهو خير للإسلام والعباد والبلاد.