إستقبلت الخرطوم أمس في أول زيارة رسمية له رئيس وزراء اثيوبيا هيلي ماريام دسالن، على رأس وفد رفيع المستوى يجري خلالها محادثات مهمة مع القيادة السودانية برئاسة المشير عمر البشير حول عدد من ملفات التعاون المشترك، وإمكانية دفعها نحو آفاق أرحب لمنفعة شعبي البلدين، الى جانب الاستعدادات الجارية لفتح مشاريع تنموية مشتركة في اطار تنامي العلاقات عقب سقوط نظام الدرق في عام 1991 وتولي الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا زمام الحكم في اديس ابابا، وتكتسب الزيارة أهمية للجانبين السوداني والأثيوبي، كونها تعد أول محطة خارجية يقصدها رئيس الوزراء الأثيوبي هي الخرطوم عقب توليه المنصب خلفاً للراحل ملس زيناوي.. وتكسب الزيارة أهمية كذلك للخرطوم- بحسب المتابعين للعلاقات الثنائية- لخصوصية العلاقات الاستراتيجية لكلا البلدين، وما يمثلانه من عمق لأمن وسلامة ونهضة المنطقة تنموياً، انطلاقاً من الثروات الطبيعية والسكانية للبلدين، وما يمكن تحقيقه من مكاسب مشتركة لشعوب القرن الافريقي، على الأقل بحسب متابعين لمواجهة تحديات الثالوث القاتل «الفقر، الجهل والمرض». من المتوقع أن تخصص الزيارة جانباً أكبر لمناقشة آليات التعاون المشترك وتقييم ماتم تنفيذه من مشاريع تنموية مشتركة لمزيد من التطور في العلاقات المستقبلية.. كما لا تقتصر الزيارة بحسب مصادر مطلعة على مناقشة العلاقات الثنائية فقط، إنما التفاكر في امكانية تعزيز الدور الأثيوبي في دفع الحوار بين الخرطوموجوبا، مواصلة لدور الحليف الاستراتيجي الراحل «ملس زيناوي» الذي كان له الفضل في مساهماته الفاعلة في التوصل الى اتفاقيات عززت السلام في الاقليم. المراقبون للشأن السوداني الأثيوبي من ناحية، وما تتميز به اديس ابابا من حيادية في مواقفها، والدبلوماسية العالية التي تستقيها في رسم خارطة الاستقرار، سيما وأن الخرطوم تبادلها الاحترام والتقدير لأدوارها في دارفور.. وأخيراً في جوبا يؤمل أن تخرج زيارة هيلي ماريام للخرطوم بنتائج تفضي الى حلول لقضايا أبيي وأخرى مماثلة، خاصة وأن أثيوبيا ظلت تلعب دوراً محورياً في إعادة الثقة التفاوضية بين الخرطوموجوبا، من خلال استضافتها لعدد من الاجتماعات السياسية والأمنية والاقتصادية بين السودان ودولة جنوب السودان. اقتصادياً ينتظر من علاقات البلدين الكثير كونهما يشتركان- دون غيرهما- في منطقة القرن الافريقي لثروات طبيعية وبشرية هائلة، لم تتم الاستفادة منها بالمستوى المطلوب- بحسب خبراء اقتصاديين- في ظل ترقب لما يمكن أن يتحقق من نهضة زراعية تنموية شاملة عقب اكتمال مشروع «سد الالفية»، ليس لنهضة أثيوبيا والسودان فحسب.. وإنما مصر هي الأخرى الشريكة الشمالية لمجرى النيل الطبيعي أمنياً واجتماعياً، وفي ظل تصريحات لمسؤولين في وزارة الداخلية هناك أكثر من مليون أجنبي مقيم بطرق غير قانونية.. ونسبة لخصوصية العلاقات الأثيوبية السودانية ودفعها لحركة المواطنين هنا وهناك.. المطلوب تقنين الإقامة للأخوة الأثيوبيين لتسهيل حياتهم اليومية، وعدم تعرضهم لملاحقات بهدف ضبط الوجود الأجنبي تطبيقاً لسياسة الدولة.. كما هو الحال في أثيوبيا، «ضبط شديد» وفق قوانين تحفظ حرية حركته.. وينتظر أن تخرج محادثات البلدين بنتائج تفضي الى المزيد من تسهيل إقامات الإخوة الاثيوبيين.. للاستفادة منهم كأيدي وعمالة ماهرة وأمينة في نفس الوقت.. الزيارة الرفيعة للقيادة الأثيوبية للخرطوم لها أبعاد كثيرة ينبغي ووفق المعطيات الواقعية التعامل معها بذهنية ورؤية استراتيجية أكثر عمقاً وإدراكاً للتحديات المشتركة، وحفظاً لتاريخ بعيد يحكي عن أديس ابابا-أكسوم- مروي- الخرطوم قصة شعبين بنبض واحد.