الأجلُ أجَلَانِ: إنَ لكل إنسان منَا أجلين، وليس أجلاً واحداً، فإذا ما نظرنا في قوله تعالي: (هو الذي خلقكم من طينٍ ثم قضي أجلاً (أجل مقضي) وأجل مسمي عِندهُ)الأنعام 2 فالأجل أجلان: أجل مقضي يذهب فيه الإنسان بشكل سريع مثل الحوداث، والحوارث، أو القتل مثلاً، وأجل مسمي يذهب فيه الإنسان حتماً في نهاية عمره، وليس فيه أي تقديم أو تأخير. (وما محمد إلا رسولُ قد خلتْ من قبلهِ الرسل أفإن مات بالأجل المسمي أو قْتِل بالأجل المقضي في أي وقت كان) ال عمران 144، حيث كان نصيب الكثير من الأنبياء الكرام القتل (الأجل المقضي) (ويقتلون بالأجل المقضي الأنبياء بغير الحق) ال عمران 112، والآيه الكريمة التالية تزيد الأمر وضوحاً أكثر (ولولا كلمةُ سبقتْ من رَبِكَ إلي أجلٍ مُسمي لقضي بينهم بالأجل المقضي) الشوري 14، وكذلك: (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لَعَجَلَ لهم العذاب بالأجل المقضي بل لهم موعد الأجل المسمي لن يجدوا من دونه موئلاً منحاً) الكهف 58، أي (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابةٍ أزالة كل أشكال الحياة ولكن يؤخرهم بينما الأجل المسمي ليس فيه تأخير إلي أجل مسمي) فاطر 45، فالأجل المقضي يمكن تأجيله حتي الأجل المسمي، حيث لا تقديم ولاتأخير ولو لساعةٍ واحدةٍ (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابةٍ بالأجل المقضي ولكن يؤخرهم إلي أجلٍ مسمي فإذا جاء أجلهم المسمي لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون) النحل 96(ولكل أمةٍ أجل مسمي فإذا جاء أجلهم المسمي لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون) الأعراف 34(فالأجل المسمي لا تقديم فيه ولا تأخير. فنلاحظ هنا أن المولي سبحانه قد قدم التأخير (يستأخرون) وأخر التقديم (يستقدمون) وذلك لحسم الموضوع حيث لا تقديم ولا تأخير في الأجل المسمي. (ولئن أخرنا عنهم العذابَ إلي أمةٍ معدودةٍ الأجل المسمي) هود 8(ولن يُؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها المسمي) المنافقون 11(وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن ربها كتاباً موضوعاً مؤجلاً إلي الأجل المسمي) «ال عمران 145»(لكل أجل كتاب موضوع معين) «الرعد 38» والكتاب: هو مجموعة العوامل والأسباب التي تُنهي الحياة، مثل الحوادث، والمرض المميت، والشيخوخة والقتل ...، فإذا وقعتْ هذه العوامل (الكتاب)، إنتهي الأجل وحصل الحسم، ويعمل الطب الحديث والأبحاث علي وقف وتأخير هذه العوامل، لتمنع الأجل المقضي وترفع معدل الأعمار (في الدول المتقدمة)، ولكن لا يمنع في النهاية الأجل المُسمي. طول العمر: إنَ قدرَ الإنسانِ محتومُ من خلال إنقسام الخلايا، وهذا القدر من الإنقسام قد رسمه الله في جينات الخلايا، ويَستهلك الجِسمَ نفسه مع كل إنقسام (إني وهن العظم مني وإشتعل الرأس شيباً) {مريم 3}، ومن خلال ساعة بيولوجية سيدعونا منبه هذه الساعة يوماً ما إلي القبر (كل نفسٍ ذائقةُ الموتَ) {ال عمران 85} {العنكبوت 57 الأنبياء 35 (قل إنَ الموت الذي تفرون مِنهُ فإنه ملاقيكم) الجمعه 8، فساعة الموت مبرمجة في (الكروموسومات) التي تنهدم جزئياً مع كل إنقسام لخلايا الجسم، ماعدا الخلايا العصبية والدُماغية، التي لا تنقسم وإلا يتوجب علينا تعلم اللغة وكل العلوم كل ستة أشهر، نتيجة محو الذاكرة في حال حدوث هذا الإنقسام، فالخلايا العضوية في الكائن الحي تقوم بنوع من الإنتحار الداخلي البطيء، ويدفن الجسم في داخله نفاياته الخلوية (مخلفات المواد السامة الناتجة من الأكسدة). فمن الواضح أننا نحترق، وذلك للوصول إلي درجة حرارة ثابتة 37 درجة) ويفرز مواد معدلة لهذا الطوفان من السموم، فالجسم يغرق داخلياً بمخلفاته (مَنْ نُعمِرهُ نُنكِسهُ في الخَلقِ) {يس 68}، وهذه البرمجة تحدث أثناء الحمل: (ونَقِرُ في الأرحامِ ما نشاءُ إلي أجلٍ مُسمي ثم نُخرِجُكم طِفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفي بالأجل المقضي ومنكم من يُردَ إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعده علمٍ شيئاً مرحلة الخرف) «الحج 5». والحل الوحيد هو (دورة التجويع)، التي تعني بكل معانيها، أي الصيام علي الشريعة الإسلامية، والإقلال ما أمكن من الطعام، فالقانون العجيب: (أكل أكثر = موت أسرع)، وفي ذلك وجه سيد الرسل صلي الله عليه وسلم: (المعدةُ بيتُ الداءِ، والحِمية رأسُ كل دواءٍ) و (ما ملأ إبن آدم وعاءً شراً أكثر شراً من بطنه، بحسب إبن آدم لقيمات يقمن صلبهُ). ويقول العالم (فاين درخ) {إذا كانت الإنقسامات الخلوية تمنحنا حوالي 120 سنة من العمر في الفسحة، فإن نظام الصوم المستمر يوصله لفترة 180 سنة}، ويقول إبن حلدون: «إنَ الناس في المجاعات لايموتون من الجوع الجديد، بل من إعتياد الأمعاء القديم علي فرط الرطوبات ولذيذ المطعم والمشرب بدون توقفٍ»، مع العلم أنَ القرآن الكريم قد أشار إلي إمكانية إمتداد حياة البشر إلي أكثر من ثلاث مائة سنة من خلال النوم (بدون طعامٍ وشرابٍ) بقوانين فيزيائية كوسمولوجية بيولوجية أرادها الله سبحانه، وحينما أفاقوا كان أول طلباتهم الطعام (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئةٍ سنين وإزدادوا تسعاً ... فلينظر أيها أزكي طعاماً فليأتكم برزقٍ منهُ) {الكهف 19}. أما من جانب آخر وهو دقات القلب، فقد لاحظ العلماء أنَ لِكُلِ حيوانٍ (4,000,000,000) أربعة مليارات دقة قلب في المتوسط، يستهلكها كيف يشاء، أما الإنسان فقد أعطاهُ الله سبحانه ضعف هذا الكم أي (8,000,000,000) ثمانية مليارات دقة في متوسط العمر، فكل مولود عند ولادته تكون أجهزة جسمه (السمعية والبصرية والعصبية ...) تكون قادره علي العمل لمدة /120/ عاماً، إذا أُستخدمت بالشكل الأمثل كما أراد خالق هذا الجسم. إنَ الخالق تعالي، في عدله المطلق، قد أعطي الناس فرصاً متساوية للعيش ، هي 120 عاماً للفرد. وكل إنسان يعمل علي إنقاص عمره عن 120 عاماً بقدر أخطائه في الطعام والشراب وتلويثه للبيئة ... الخ. وتتم عملية إنقاص العمر، بقدر الأخطاء التي يقوم بها الإنسان في الطعام والشراب، وتلوث البيئة (ظَهر الفسادُ في البرِ والبحرِ بما كسبتْ أيدي الناسِ) {الروم 41} ففساد البيئة سببهُ الإنسان، وقد نهي عنه الخالق بشدة، وذلك لمصلحة الخلق جميعاً وسلامتهم (ولاتَعِثُوا في الأرضِ مُفسدين) {العنكبوت 36}، {الشعراء 83}، {الأعراف 74}، {هود 85}، {البقرة 10}، فسبحانه تعالي لا يُحب الفسادَ والمُفسدين (والله لا يُحب الفساد) {البقرة 205}، (والله لا يحب المفسدين) {المائدة 64}، (إنَ الله لا يحب المفسدين) {القصص 77}، لأجل سلامة البيئة. فالمدن الحديثة الحالية، تستدرجُ البشرَ من الجبال والسهول والوديان لتجمعهم في جوها الملوث القاتل فعلاً (لِيُذِيقَهم بعض الذي عملوا من تلوث البيئة لعلهم يرجعون عن الفساد في البيئة) {الروم 46}. فَقصَر عُمر الإنسان، ناتج عن عملية إنقاص العمر عن ال 120 عاماً، التي وهبها له الخالق، وعملية الإنقاص هذه يقوم بها الإنسان ذاته عن طريق التهلكة التي يضع نفسه فيها، ولا يُريدها الخالق أصلاً (ولا تلَقُوا بأيِدَيكُم إلي التَهلُكةِ) {البقرة 195}. فالتهلكة بيد الإنسان الذي ينقص عمره بيده (ومايُعَمِرُ مِن مُعمرٍ ولا ينقص من عُمرهِ) {فاطر 11}. فالعملية إذاً: عملية إنقاص للعمر، لذلك حارب الإسلام بشدة بالغة عملية القتل كونها عملية إنقاص فجائي (بتر) للعمر، (وإذا الموؤدةُ سُئِلتْ بأي ذنبٍ قُتِلتْ) {التكوير 8}. ونلاحظ هنا أنَ السؤال كان للقتيل (الموؤدة، وهي الفتاة الصغيرة التي تدفن حية) بدل القاتل، وذلك زيادة في تأنيب وتوبيخ القاتل (الذي بتر عمر فتاة صغيرة، لا ذنب لها سوي أنها أُنثي فقط) (ولاَ تقتُلوا أولادكُم) {الأنعام 151} (ولاَ تقتُلوا أنفسَكم) «النساء 29».كما أنَ الأجل المقضي يمكن أن يُمد (تجديد الصلاحية) وذلك إستناداً إلي حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم: «من سَرهُ أن يؤنس له في عمره ويزداد له في رزقه فليصل رحمه».فلنحرص علي الصيام وصلة الرحم.وصلي اللهم علي سيدي أحمد، صاحب الولاية الكونيه، إمام المسلمين، صاحب المقام المحمود، المؤيد بالروح القُدُس(جبريل)، الذي أُتٌي السبع المثاني والقرآن العظيم، والحمد لله.