ü ورد في الغراء «الرأي العام» الاثنين الماضي على صفحتها الأولى خبرٌ يقول إن المراجع العام قدم تقريراً خاصاً للبرلمان يحوي مُخالفات وقعت من بعض الأسماء المعروفة، وأكد على سرية التقرير لطابعه القضائي، وأن نشر الأسماء ربما يضرُّ بها حال أظهرت التحقيقات «مبررات للتجاوزات التي وقعت» وأن التجاوزات والمخالفات التي تضمنها التقرير ترتبط بأسماء معروفة، وأن التقرير يحوي تجاوزات في عقودات حكومية ببعض المؤسسات والهيئات، بجانب منح ضمانات لجهات متعثرة بصورة متكررة، ومنح ضمانات غير كافية لبعض الجهات، ووردت فيه أسماء شركات وشخصيات بارزة.. لذلك ستتم متابعة التقرير عبر لجان مختصة بالبرلمان، وقال المصدر ل«الرأي العام»: إن المعالجات «ستكون بإرجاع أموال ومراجعة المعاملات التي تمت»، وأن أي كشف للتفاصيل «سيكون في وقت يُسمح فيه بالأمر» تفادياً لأي خطأ قانوني حال ثبت «وجود مبررات لبعض التعاملات التي تمت من جهات وأسماء معلومة». ü اللافت أن الخبر الذي حمل توقيع الصحافية «رقية الزاكي»، والذي أوردته الزميلة العريقة «الرأي العام» قد صيغ بشكل دقيق، ومن حق «الرأي العام» والصحافية رقية التحفظ على مصدرهما من وجهة النظر المهنية ومواثيق الشرف الصحفي، لكن الخبر لابد أن يدخل قارئه- كما أدخلني- في حيرة من أمره في ما يتصل بالشفافية، لأنه بالإضافة إلى الغموض المتعمد، يقدم بين سطوره مبررات تبدو منطقية في مقدمتها تفادي الأضرار بتلك الشخصيات المعروفة والأسماء البارزة التي ارتكبت التجاوزات والمخالفات حال الكشف عن تفاصيل الأسماء والطبيعة المحددة للتجاوزات والمخالفات. فإذا كانت مثل هذه «المبررات» موجودة فعلاً فما الذي دفع «المصدر المطلع» لإفشاء الخبر أصلاً؟! ü ما هو أدهى وأمر تمهيد الخبر «لمخارجة» وتبرئة ساحة المخالفين والمتجاوزين المعروفين من المتنفذين ذوي الأسماء البارزة والشركات المهمة، حتى لا يترتب عليه «جدل قانوني» كما قال. فنطاق السرية المضروب على الأسماء والشركات وحصر الأمر في لجان مختصة بالبرلمان قصد منه- كما يفهم من الخبر- أن تكون «المعالجات بارجاع الأموال ومراجعة المعاملات التي تمت»- من دون حساب أو عقاب- وأن يتم كشف التفاصيل «في وقت يُسمح فيه بالأمر»، دون أن يبين لنا الجهة التي تشير إليها عبارة «يُسمح فيه بالأمر» المبنية للمجهول، هل هو القضاء أم البرلمان أم جهة تنفيذية أو سيادية.. لم نفهم! ولمزيد من التبرير يقول الخبر بأن ذلك الستار الكثيف قصد منه أيضاً «تفادي خطأ قانوني حال ثبت وجود (مبررات) لبعض المعاملات التي تمت من جهات وأسماء معلومة»! ü من حيث الشفافية، فالخبر أنموذجاً صارخاً لغيابها، في جميع الأجهزة ذات الصلة بالتجاوزات والمخالفات التي ارتكبتها هذه «الشخصيات البارزة المعروفة». والتي أُريد معالجة قضاياها ومشكلاتها بعيداً عن الأضواء، إنطلاقاً من «فقه السترة» الذي ترددت أصداؤه في أكثر من حالة. «فالمراجع العام» ليس من مهامه التستر على المتهمين- حتى لا نقول المجرمين- الذين تمتد أيدهم إلى المال العام. وإلا تحول إلى «مراجع خاص» يفعل ما يؤمر، ولا يلقي بالاً لمشاركة المجتمع في الرقابة الشعبية على أداء المسؤولين. والمجلس الوطني- البرلمان- لكي يكون ممثلاً حقيقياً للشعب وليس السلطة التنفيذية فيجب أن تكون جميع أعماله تحت اضواء كاشفة تحت بصر وسمع الشعب الذي انتخبه، إذا ما استثينا تلك الأعمال والمداولات التي يضر الكشف عنها بالأمن القومي والمصالح العليا للبلاد. ü تعيدنا حكاية السُتُر الكثيفة التي أُحيط بها التحقيق في تجاوزات الشخصيات البارزة والشركات المعروفة التي أوردها الخبر إلى قصة الخليفة الراشد عمر «رضى الله عنه» عندما وقف خطيباً في المسجد وهو يرتدي جلباباً كبيراً واسعاً، فنهض له واحد من غمار المصلين رافضاً الاستماع لخطبته قبل أن يجيب على سؤال من أين له بهذا الجلباب الواسع الكبير، فلم يستنكف الفاروق السؤال ولم ير فيه تطاولاً، بل شرح للسائل في رحابة صدر وسماحة وشفافية أن ابنه عبد الله قد اهداه ما نابه من قماش من بيت المال إضافة إلى نصيبه ولهذا كان هذا الجلباب الكبير، عندها قرر السائل أن يسمح لعمر بمواصلة الخطبة! ü تذكرنا السُتُر الكثيفة التي اتخذها البعض منهجاً في التعاطي مع قضايا الاعتداء على المال العام باعتبارها «فقه واجب وسنة» بالحديث الشريف الذي يبلغنا فيه المصطفى «صلى الله عليه وسلم» بأن ما أهلك الذين قبلنا هو إن سرق فيهم «الشريف» تركوه وإن سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأقسم بأن فاطمة بنت محمد إذا سرقت لأقام عليها الحد! ü فعن أي منهج يصدر هؤلاء المتلفعين المتلفحين، ب«فقه السترة» ودثرها الكثيفة؟! فديننا يحضنا على الشفافية منذ أقدم العصور، والنظم الديمقراطية المعاصرة تعتبر الشفافية مدخلاً وميزاناً للحكم الرشيد وسيادة القانون.. وفي القانون- كما نعلم جميعاً- فإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فماذا يضر من اتهم بلا حق لو انتهى به الأمر إلى البراءة؟!