الصديق.. الغالي جداً.. الحبيب الأثير.. جداً.. المقاتل.. أبداً.. لسان حال.. المرهقين المتعبين.. المنهكين... المضطهدين.. دوماً. أشواقي لك لم تفتر لمجالسك العامرة.. لأنسك الرائع.. لروحك القلقة المتمردة.. الهائمة أبداً في سماوات بني شعبك... مواساة أحياناً.. وبكاءً مرات واستنهاضاً للهمم دوماً... ورغم ذلك لا شيء عنك... هل أقفرت جداول الكلمة... أم لعل.. لا يهم... المهم أنك أثير عندي.. تهزني أخبارك الطيبة انتشي بفرح طفولي لحظة اسمع عنك ولعلك تسأل في دهشة ومتى أقفرت جداول الكلمة؟؟ ولعلك تسأل في عجب.. ومتى كان صمتي.. وأين ..ومتى وكيف؟؟ بل لعلك تسأل في أسى وألم تتابعني وأنا أتابع رحلة «القرنتية»... أم تراك قد «جنيت».. يا «مؤمن».. آه يا صديقي أعرف ذلك... أعرفه تماماً أعرف أنك ما تذكرت أوجاع وأحزان وآلام وجراح ودموع ودماء شعبك لحظة ..لأنك لم تنسها لمحة كم أنت مدهش ونبيل... بل عظيم يا هاشم... ومحور حياتك هذا الشعب البطل... ما أصدق نطق... «الشعب البطل» في فمك أشعاراً وغناءًً.. ومسرحيات.. وما أكذبها.. وأبأسها.. في شفاه.. وأفواه كاذبة كذوبة.. منافقة.. باطشة.. محتالة... نعم أنت كذلك... مفتون بالشعب السوداني البطل.. معجون بدموعه التي ما توقفت عن التهاطل.. حتى عندما تزهو السماء وهي تقدل في أثواب الديمقراطية الزاهية البديعة الطاؤوسية الوسيمة.. أعرف انك ما وقفت متفرجاً.. وما توقف لسانك أخرساً ولا تأبت الكلمات اندفاعاً من صدرك وحلقك والوطن يعاني وشعبه محزون وطرقاته غبشاء حزينة باكية ولكني ومن فرط إدماني لكلماتك لا أفهم أن تتوقف لحظة وما أفدح العجز وقلة الحيلة.. وأنا لست مثلك يا هاشم.. تتأدب الحروف في حضرتي ولست مثلك ..تنصاع الكلمات أمام قلمك المغموس أبداًفي وريد الشعب ..كل عزائي..أني ..أفرح كطير طليق..بل أعربد مجنوناً عاصفاً فرحاً كفرح الأطفال في العيد.. وأنت تكتب لنا كلما جابه الوطن محنة أو حتى كلما «هفت» لك أن تصور لنا لقاء عاشقين بعد فرقة أو كلما صدحت موسيقي شعرك وأصوات طفلة بتحفظ في كتاب الدين.. صديقي هاشم اليوم أنت ملء السمع بل أنت تحتكر كل «ذبذبة» في الأثير اليوم أنت شغل الصائمين.. والعائدين من «التراويح» في عجل حتى لا يفوتهم حرف واحد من تصوير رحلتك الرهيبة المترفة البديعة.. الشائكة المروعة.. وأهوالها ونيازكها المتفجرة ونجومها الزاهرة والساهرة.. أنت شغل حتى «الفاطرين» وهم «يكابسون» معنا.. «أزرار» «الريموتات» وكل الأصابع تبحث عنك يا هاشم... آه يا لها من ذكريات.. يا هاشم.. وأنا استمع إلى مطر حديثك وأنا استرجع ذكرى وتذكارات إبداعك وأنا أنهل بلا ارتواء من سلسبيل نهرك العذب الرقراق تجتاحني عاصفة من الضحك.. أضحك على غفلتي وغبائي.. و«بلادتي».. بل أسخر من جهلي وقلة عقلي وأنا أتذكر ذاك الموقف وأنا مفتون «بالملحمة» بل «مجنون» بالملحمة.. كان ذلك قبل أربعين سنة وتزيد قلت لك حينها لو مت اليوم يا هاشم لن تخسر أبداً فقد خلدت نفسك بالملحمة.. بصراحة يا هاشم لقد جلست على قمة «هملايا» الإبداع لن تتجاوز تلك المحطة مطلقاً.. أما أنا لو مت اليوم.. سأموت «فطيسة» لم أترك أثراً حتى بمقدار مثقال ذرة من خردل.. لوطني.. أذكر جيداً كلماتك يا هاشم فقد قلت لي في صرامة... أولاً أن الملحمة قد كتبها بالدماء والأشلاء الشعب السوداني... أنا لم أفعل غير تصويرها بالحروف والكلمات والأبيات... ثانياً إنك بذلك تحكم على شعب وطنك بالجمود والتكلس والموت على حافة الملحمة يا لك من أستاذ يا هاشم... لقد دوت كلماتك في أذني تلك الأيام كما الطبول.. لم أفهم وقتها شيئاً حسبتها نوعاً من التواضع.. تواضعك الذي كان «يغيظني» حد الجنون... بالمناسبة عيبك الفادح المدمر الوحيد إنك متواضع... متواضع جداً حتى على الأوغاد... وداعاً يا هاشم.. غداً أحدثك عن الزمن والرحلة.. أحدثك تحديداً عن الأوغاد.. تباً للأوغاد...