ومازال قطار الهم.. يتجرجر على القضبان.. ومازال مدير السناتور ..يغفو.. أو ينظر بعيني صقر.. ومازال.. أبو عركي وفي كامل هندامه وصوته في كامل عنفوانه ينشد قطر ماشي.. ومازلت أضحك على نفسي وأسخر من نفسي وكيف كنت غراً وغشيماً.. غبياً وبليداً وأنا أقسم لك أمام .. برندة.. بنك الخرطوم.. جوار اجزخانة «أبو نخلة» بأم درمان.. أقسم لك بأنك قد وصلت «الميس».. تربعت على أعلى نقطة في سقف العالم.. كتبت «الملحمة».. ولن تتجاوزها حتى وإن كنت هاشم صديق.. ويالجهلي.. فقد انفجرت بروق ورعود وسحب إبداعك.. مطراً تساقط على أرض الوطن الكبير وابلاً أحيا الأرض وأيقظ النفوس وأضاء العتمة وزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة وسحق بل «رش» «بالفليت» تلك الحشرات الزاحفة والهاموش.. والناموس.. المتحلق أبداً في الحاح الذباب وطنينه وقذارته المتحلق في مدارات الذين «داسو» بالأحذية الغليظة على رقاب الشعب.. صدقني يا هاشم أنا احترم كل طاغية سفاح.. سفاك.. ظالم بربري ومتوحش.. ولا احترم.. بل احتقر حد الموت.. تلك الديدان التي تزحف «وسخة» على بلاطه.. المتسللة من شقوقها.. دماء الشعب.. نعم يا هاشم.. تدفق نهرك بعد أن خرج من المجرى وهو يصطخب بعد أن ودع «حفرته» ليغرق مروج ورياض الشعب بماء الحياة بل بإكسير الحياة كانت «نبتة».. وكان قطار الهم.. وكانت الحراز والمطر وكانت «حاجة فيك».. وكانت الشوق الوطن وكانت «الحلوة» وكلام إليها.. وكانت «أمونة».. وكانت وكانت.. وكانت.. وكانت المنضرة... كنّا نضحك في المسرح.. بل كنا نفزع.. ومكي سنادة وبصوته المجلجل يخطب دي جيرة جغرافية.. تلقى صيوان العزاء جنب صيوان الفرح... والآن يا هاشم نحن نبكي... نبكي وننوح.. فقد جاءت الجيرة الجغرافية بحق وحقيقة... كل الشعب - يا صديقي.. ينصب خيمة مشتركة «بتاعت جمعية تعاونية» طولها مليون متر وعرضها ألفين متر وليس ألفين سلام.. وارتفاعها مثل ارتفاع دموع الشعب... وهي تسجل في الأحباس... أحباس المآقي مترين وعشرين سنتاً هي كافية لإغراق أطول مواطن سوداني هذه خيمتنا وهي تجاور خيمة من البلور والكرستال تبهر فيها الكهارب... تحلق فيها العرائس تضوع فيها الروائح.. والمترفون الذين انخرطوا من بين صفوفنا بل الذين ولدوا وترعرعوا بين ظهرانينا... و«قروا» معانا كانوا أفقر منّا جميعاً.. وأبأس من كل ناس «الفريق»... هؤلاء هم أصحاب الخيمة «ودي الجيرة الجغرافية ولأ بلاش»... هاشم لا تحزن يا صديقي نحن نعرف المتاريس التي وضعها الأوغاد في طريقك.. نعرف.. حجم الدماء التي نزفت من جسدك الناحل الطاهر... نعرف.. حجم الكرات الملتهبة التي قذف بها من وراء ظهرك «المرتزقة» ولكن يكفي يا هاشم أنك الآن تتحدث من قلب الإذاعة وإن «دراما 90» ورغم غيابه القسري لمدة سبع عشر سنة وتزيد مازال محفوراً... مركوزاً في أفئدة.. بل في أحشاء شعبك الذي أحبك حتى الجنون.. ثم..إن الذين حاربوك وقاتلوك حتى آخر طلقة.. هم فئات ثلاث... أولاً أصحاب الجلد والراس.. وهؤلاء «أنا ما زعلان منهم».. لأن هذا هو برنامجهم الذي أعلنوه منذ دخول العرب السودان.. لست مندهشاً.. من ضراوة حربهم لك يا هاشم.. إنهم أبداً يصوبون المسدسات لاغتيال الشمس وأنت أبهر أشعتها التي تفضح الظلام والزيف.. هم يا هاشم من يتحسسون مسدساتهم كلما.. سمعت أذانهم كلمة ثقافة.. ثانياً.. هم الذين كانوا يحسدونك يا هاشم... وهؤلاء يكفي أهوال العذاب التي جابهوها وأنت لا تموت ولا يأفل نجمك ولا ينطفيء بريقك ولا يهن توهجك.. هاشم «ديل مساكين» يكفي أن تتذكر كلمات الخليل.. أنا واثق أنك سوف «تحن عليهم» يقول الخليل.. «نارو ماكله لسانو والحسود يتحسّر».. ثالثاً... هم المكليون أو المتوركون وهؤلاء يا هاشم أنا أعرفهم فرداً.. فرداً وفيهم ناس كثيرين من عينة الذين يتمرغون على القزارة والقزى.. ويحدثونك عن صفاء الكوثر.هؤلاء يا هاشم هم الذين على مدى مرمى نيراني ولأنهم من يفسدون الحياة بكل جمالها وروعتها.. سافرد لهم وحدهم مقالة كاملة ليس دفاعاً عنك وحدك بل دفاعاً عن كل الشرفاء الذين رموهم بقازوراتهم ومع السلامة.. هاشم.