يطل على العالمين اليوم شهر ربيع الأول ببهائه الساطع وتفوح الأمكنة بأنفاس الذكرى البهية العاطرة.. ذكرى ميلاد سيد ولد آدم.. النبي الخاتم.. صاحب اللواء والحوض والشفاعة.. قائد خير الأمم والشاهد على السابقين من الأمم.. محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. تطل علينا الذكرى وقد هبت الأمة العربية وشعوبها المؤمنة من سباتها وفاجأت الدنيا بثورات عارمة وتضحيات غالية، اقتلعت عروش الطغاة ودكت حصون الظلم والاستبداد وبدأت تعمل على محو آثار العار والفساد الذي تطاول واستشرى بفعل صنائع الاستعمار ووكلائه من حكام خدام!!.. ثورات مباركة انطلقت من المساجد وشعارها الله أكبر وقد استكملت شرائط النصر والتمكين. جدير بحكامنا وقادتنا في السودان استلهام تلك التجارب والعبر والاستفادة القصوى منها في تقويم وإصلاح المسير القاصد الذي كان قد انطلق من ذات المشكاة والعمل على مقاومة وإصلاح الأخطاء لتحقيق الأهداف المرجوة. ومما يجدر التنبيه له خطورة ما بدأ ينتقل لمجتمعاتنا من أفكار وسلوك جماعات العنف والتطرف الديني التي ظهرت من خلال الدعوة للصدام والاحتراب بسبب المولد النبوي بين الجماعات الإسلامية، أو بسبب أعياد الكريسماس باستعداء غير المسلمين، الأمور التي لا تشبه واقع مجتمعنا المتسامح والمتعايش تاريخياً، ويخالف هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حكمة الدعوة ولين الجانب في المعاملة والإرشاد. فحذاري من بلع الطعم السام ودسائس أعداء الدين واستقرار الوطن الذي يستغل فيه عادة الجهلاء والمقهورون من أتباع الطوائف الدينية وأهل التعصب للطرق والجماعات. كذلك أرجو أن تكون ذكرى المولد مناسبة للإصلاح والمصالحة بين كافة التيارات الإسلامية وكل أهل القبلة اتساقاً مع شعار توسيع قاعدة المشاركة السياسية والوطنية في بلادنا، والالتقاط الأمين لنصائح الحادبين المخلصين المنشقين الداعين لتحصين الدولة والمجتمع من آفات الحكم وأخطاء المسير. تلك النصائح التي تجاوزت الهمس الرقيق إلى الصدع الجهير، غير أنها تخرج عن الموضوعية وإن خرجت عن المؤسسية، ففي قبولها واستيعابها تقوية للصف الملتزم وابتعاد عن الفتن وشماتة الأعداء. إن من أهم المهام لأتباع هذا الرسول العظيم «بين يدي هذه الذكرى العظيمة» أن نجعلها مناسبة «لتعظيم» النبي ثأراً لديننا وانتصاراً لعقيدتنا واعتداداً بمنهجنا في وجه الحملة الغربية الجاهلة، من أفراد وجماعات من منسوبي المجتمعات الغربية التي استمرأت الافتراء والاستهزاء ومحاولات النيل من عقيدة الفطرة السمحاء. إن تعظيم النبي ودعوته ينبغي أن يكون وفق منهج شامل شمول الرسالة الوارثة الوافية الخاتمة التي بعث نبيها بين يدي الساعة.. فليعظم الأتباع نبيهم بحسن الاقتداء والتأسي، وليعظم العلماء، والدعاة معلمهم ببعث الدين ومكارم الأخلاق. وليعظم المفكرون وصناع الرأي ملهمهم ببيان الحق ودل الناس عليه، وليعظم الحكام رائدهم بالعدل والإحسان وبسط الشورى، وليعظم الشباب قائدهم بصون الأرض والعرض والجهاد في سبيل الله. ولتعظم النساء سيدها بطاعة الأزواج وحسن إعداد الأجيال، وكذا أصحاب الحرف وسبل الكسب، بتقوى الله والتماس الحلال واجتناب الحرام. إن معركتنا مع أعداء الحق.. الشائنين لرسولنا وديننا، أمم وجماعات وأفراد، هي معركة الحق والباطل معركة من يحمل المصباح في وجه الظلام، معركة صاحب الرسالة والنبأ العظيم في وجه الكفر والإفلاس الحضاري.. «أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم». فلابد إذاً من إعلاء مبدأ «التواصل» مع الشعوب الجاهلة، بدلاً من «المقاطعة» «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة....». إن ما نشهد من إفلاس للحضارات الغربية، وبذاءة في تعبير وسلوك منسوبيها، نقص في الأخلاق والتفكير، يعكس واقعاً بيئياً خالياً من القيم والرشد وقد قيل «كل إناء بما فيه ينضح».. و«فاقد الشيء لا يعطيه». ولما كان المستقبل لا محالة لهذا الدين.. فأرجو أن تكون أدوات وعناصر ومدخلات صناعة ذلك المستقبل، مطلوب من الدعاة والمصلحين وأصحاب الغيرة على الدين وميراث الخير، أن يحسنوا تعليم دينهم ثم يتمثلوه في واقعهم، ثم ليرسموا بعد ذلك خطة دعوة غيرهم، محيطين بفنونها ووسائلها ثم يعرفوا عدوهم والمجتمعات الضالة المستهدفة معرفة جيدة، تستوعب خططهم المضادة وتدرك مكر كبرائهم وسادتهم ووسائل صدهم للحق والهداية، ولن يعذرنا الله دعاة ومصلحين وحملة رسالة في هذه العصور المتأخرة، إن لم نركب على مركب العصر جميعاً، ونسخرها لخدمة الدعوة وننشرها ونستخدم كافة اللغات والتقنيات الحديثة وجميع آليات عصر المعلوماتية لهزيمة الجاهلية المعاصرة، وإيجاد الحلول من ديننا ومنهجنا، وإنارة الدروب بمصابيح الهدى، فنحن أمة مندوبة لهداية العالمين وليس حجب الخير عنهم!! لفتح القلوب وليس إغلاقها!!.. مكلفة بوصل الآخرين بالدعوة والسلوك وليس قطيعتهم. إن جهود الغرب لتحجيم الصحوة الإسلامية وكسر شوكة المقاومة الوطنية العربية تتضح من خلال استحداث مصطلح «الإرهاب» الذي يتم رفض أية محاولة لوضع محدد له. الموقف في الخطاب الغربي في تناول مصطلح «الإرهاب» يلمس اللهجة الشرسة على الإسلام والمسلمين، فقوائم «الإرهابيين» عندهم إسلامية والأموال المصادرة إسلامية، والمنظمات التي تتخذ من العمل الخيري الإسلامي ستاراً لمزاولة أنشطتها «الإرهابية»!! إن الدول والحكومات الإسلامية التي تبدي أي شكل من أشكال التعاطف، هي دول وحكومات «إرهابية» وبالتالي ينبغي عليها الخضوع للمقصلة العقابية بمجرد الاشتباه!.. لقد تم تكثيف الحملات ضد العمل الخيري الإسلامي بصورة جريئة وقاسية، وقد سبقتها دراسات متعمقة للقطاع الخيري الإسلامي، وقد أدرك المستعمرون الجدد خطورة الدور التكافلي العظيم الذي يمارسه هذا القطاع في دعم تكاتف المسلمين ونشر العقيدة في المناطق النائية والفقيرة وتقديم العون للفقراء والمحتاجين على مستوى دول العالم دون تمييز أو انتظار، تنازلات من خلال الأجندة الخفية التي درجت عليها المنظمات والجمعيات الطوعية العربية. لقد حرص منظرو أنظمة المد الإسلامي على حمل دول العالم على استحداث التدابير والتشريعات لمكافحة «الإرهاب» والتي تناولت بصورة مكشوفة تجميد ومصادرة الأرصدة والممتلكات المخصصة للعمل الخيري الإسلامي، وذلك بذرائع وحجج وحيل واهية، وإغراء الدول التي تعاون في تنفيذ حملات مكافحة «الإرهاب» بأن تنص تلك التشريعات على تخصيص بعض الأموال والأرصدة المجمدة لتلك الدول!!