بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: الدعوة الإسلامية وتحديات الواقع السوداني

بقلم د. أزهري التجاني عوض السيد - وزير الإرشاد والأوقاف
شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تنامي جماعات الدعوة الإسلامية أو الحركات و التيارات الإسلامية، سبقتها ظاهرة بروز علماء إسلاميين مشاهير، حيث ذاع صيت الإمام محمد عبده، والأستاذ رشيد رضا، والسيد جمال الدين الأفغاني وعلماء آخرين ساروا على نهجهم. كان لهؤلاء العلماء الرواد إنتاجهم العلمي الغزير في علوم التفسير والفقه والفكر الإسلامي بصفة عامة، مما أحدث دفعاً ثقافياً وإحياءً فكرياً وروحياً أيقظ سبات المجتمع المسلم حينها، الذي كان في جمود وانبهار بحركة النهضة في أوربا، وفى حالة انكسار خلفها الغزو الغربي العسكري والسياسي.
وتولدت كذلك مع حركة العلماء حركات وجماعات إسلامية فبرزت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة الإمام الشهيد حسن البنا والجماعة الإسلامية في باكستان بقيادة الأستاذ أبو الأعلى المودودي، والجماعة الإسلامية في الهند بقيادة أبي الحسن الندوي. هذه الظاهرة كانت هي وغيرها من الحركات الإسلامية التي سبقتها (مثل المهدية في السودان) أو جاءت بعدها مثل حركة الإمام الخميني في إيران، كانت هي المسئولة عن قوة الدفع المحركة للطاقة الكامنة في المجتمع السوداني والتي أوجدت الوضع الراهن في السودان.
ما هي حقيقة هذه الظاهرة ؟ :
حقيقة هذه الجماعات الدعوية والتيارات الإسلامية، أنها هبّةٌ في مواجهة دورة حضارية جديدة في الغلبة فيها كانت لصالح الغرب المسيحي، والغزو المسيحي نفسه كان انقلاباً علي مد إسلامي تجاوز البحر ووصل إلى أوربا في جنوب فرنسا وأسبانيا وأسس دولة الأندلس.
بدأ الغرب المسيحي حملته على العالم الإسلامي بالغزو الفكري، وبحركة المستشرقين وانتهى بالغزو العسكري والسياسي الاستعماري لغالب دول العالم الإسلامي. وقد تبع هذه الحملة محاولات جادة لتبديل الثقافة وتغيير أنساق القيم وأنماط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هذه الحملة على العالم الإسلامي ولّدت ضموراً في المد الإسلامي العلمي والفكري والروحي، وتراجعاً في مظاهر الحياة الإسلامية، وانكساراً نفسياً وانبهاراً بالحضارة الغربية.
ولقوة دفع هذه الهجمة تولدت تيارات فكرية تمثلت كما أشرت في بروز العلماء الذين أثروا الحياة العلمية ونبّهوا بقوةٍ إلى حيويةِ الرسالة الإسلامية، فبرزت تيارات إسلامية حركية، تبنت العمل الإسلامي وخططت له، وبشّرت بنهضةٍ إسلامية شاملة لكل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن كل ذلك تبلور تيارٌ إسلامي في المجتمع قاوم المستالإسلامية. إلى حركة سياسية وطنية مناهضة للاستعمار حتى أجلته من كل دول المنطقة فيما عرف بحقبة التحرر الوطني.(فالتحرر الوطني) كان وقوده وطاقته الدافعة التيارات الإسلامية .
استأنف التيار الإسلامي حركته حتى بعد حقبة التحرر الوطني.. رافضاً التبعية السياسية للغرب، وداعياً إلى التميّز بالاصالة الإسلامية في نواحي الحياة كافة.
فاندفع التيار الإسلامي بقوة في مصر حتى شكل قوة حقيقية جابهت النظام السياسي والاجتماعي والثقافي وتحدته بقوة، وقدم تيار الإخوان في مصر تضحياتٍ، وأنتج فكراً وعلماً وحركةً رائدةً انتهت بمواجهة مع النظام استشهد فيها خيرة العلماء من أمثال الشهيد سيد قطب ورفاقه.
وكذلك انتهت حركة التيار الإسلامي في إيران إلى انقلاب شامل على الحياة السياسية والثقافية، حتى في علاقات إيران بدول العالم فيما عُرف بالثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني.
وتحولت الحركة الإسلامية في السودان إلى تيار إسلامي عريض متجذر في المجتمع بلافتات متعددة: - حركة الإخوان المسلمين - حزب التحرير الإسلامي - جماعة أنصار السنة - التيار السلفي والحركة الإسلامية، بالإضافة لقاعدة واسعة من الطرق الصوفية التي وسعت خلاوي القرآن ونشرت التدين بصفة عامة
تحرير المفاهيم:
لندخل علي تحديات الدعوة الإسلامية الراهنة في السودان، نحتاج بشدة إلى تحرير المفاهيم، ماذا نعني بلفظ ( إسلامي ؟) ومن ثم تيار( إسلامي ، حركة إسلامية ، دعوة إسلامية ) . ما الفرق بين مسلم وإسلامي ؟ والإسلام والدعوة الإسلامية ؟ ، والمسلمين والحركة الإسلامية والإخوان المسلمين ؟ نحتاج إلى تحرير هذه المفاهيم لأن التحديات جسيمة والعقبة كؤود، والعدو ذكي ومتمكن من مقاليد القوة المادية والاقتصادية !! وللعدو خطة ماكرة وعنيدة لمحاصرة الدعوة الإسلامية ووأدها ! وبإزاء كل ذلك نحتاج لجهد كلّ مسلم ، ولسهم كلّ مسلم ورأي كلّ مسلم ، ونحتاج لأن يتحرك غالب المسلمين لأجل الدعوة .
إسلامي مصطلح قديم قرأته عند الأشعري منذ زمن بعيد... فالمسلم يصبح إسلامياً إذا عزم وتحرك لإصلاح غيره وهدايته. أي إذا تبني الإصلاح في المجتمع على أساس رسالة الإسلام وهديه، وتحرك وكابد وانخرط في عمل جماعي منظم مع آخرين، هدفه نشر رسالة الدين وإصلاح المجتمع والدفاع عن القيم والأخلاق التي دعا إليها الإسلام.
الحركة الإسلامية: هي جماعة منتظمة تعمل في المجتمع لنشر الإسلام وحمايته وتتوسل إلى ذلك بالدعوة بالحسنى وبنماذج حية تعرف في سلوك أفرادها وخصائص أجهزتها ومؤسساتها، التزاماً بقيم الإسلام ومبادئه وشرائعه، ويتناصر أفرادها ومؤسساتها على ذلك.
فالتيارات والجماعات الإسلامية إذن: مجموعات من المسلمين منتظمة وفق عقود وعهود ولوائح ضابطة تعتصم بها وهى تهدف إلى نشر الدعوة إلى الإسلام والتبشير به وفق رؤية ووسائل تميز كل منها، فهي لا تتبنى الدعوة الإسلامية نظرياً فقط ولكن لها خطط وحركة ونظام وقوة دفع ومدافعة.
الدعوة الإسلامية: فالدعوة الإسلامية إذن هي مفهوم حركي ديناميكي.. فهي ليست نصوص القرآن وحدها ولا هي أحاديث المصطفى صلي الله عليه وسلم وحدها،وإنما الدعوة الإسلامية مفهوم حركي يُطلق حيث تكون رسالة الإسلام ومبادئه متجلية في حركة ثقافية علمية وسلوك في واقع الناس، تتجسد في علماء ومفكرين ودعاة وجماعات وفنيين يقودون خطة الهداية والتربية والتوجيه، في صور متجددة بتجدد التحديات وتقلّبُ الابتلاءات لُتقوّم مسار المجتمع وترشده إلى النور المبين الذي دعا إليه الإسلام.
فهذا هو المعني الكلي الذي ندب القرآن إليه الدعاة، قال تعالي :(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران الآية (104)
(انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) التوبة الآية (41).
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل الآية (125)
مسارات الدعوة الإسلامية:
المسار الأول والأصل: هو أن تتجه الدعوة الإسلامية بخطتها نحو هداية الناس إلى دين الله، بمعني إدخال النّاس في الإسلام بالحسنى وبالاختيار الحر ودون إكراه ورعايتهم وتعليمهم الدين وفقهه.. هذه هي رسالة المسلم وهي مهمة النبي صلي الله عليه وسلم ورسل الله أجمعين: قال تعالي (يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) الآيات 45-46 سورة الأحزاب
(الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد) سورة إبراهيم الآية (1)
وفى الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير إليك من حمر النعم).
المسار الثاني: إرشاد المسلمين وتوجيههم ونصحهم ووعظهم وتبصيرهم بأمور دينهم وهو مسار مهم يجنبهم الزلل والغفلة عن الله تعالي ويعلمهم الخير ويذكرهم بالله ولذلك صاح فيهم القرآن الكريم (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا) 41-42 الأحزاب.. ومثلها في القرآن كثير. وفي الحديث عن تميم الداري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم
التحديات:
أولاً: التحديات الخارجية:
1/ تحدي الاستراتيجية الدولية المعادية (التحالف):
- من الأمور الظاهرة بجلاء في عالم اليوم، أن العالم الآن يقوده التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
- وأن أمريكا يُوجّهها ويسيطر عليها تحالف اليهود والمسيحيين الصهاينة.
- وأن هذا التحالف يسيطر على مقاليد القوة العسكرية والاقتصادية في العالم ويعتمد منطق القوة في تحقيق أهدافه في السيطرة على المناطق التي تبدو استراتيجية بالنسبة له.
- وأنّ هذا التحالف يضع دولة إسرائيل وحمايتها في مقدمة أسبقياته وأهدافه.
- ومن ثم يعتبر هذا التحالف الإسلام عدواً استراتيجياً لمخططاته، والعالم الإسلامي هدفاً استراتيجياً يلزمه السيطرة عليه.
- فنحن بإزاء استراتيجية معادية عنيدة وماكرة تستهدف كل العالم الإسلامي وتضع السودان في مقدمة أهدافها لأسباب دينية واقتصادية وسياسية !!
2/ تحدي الحرب والنزاعات :
إثارة الحروب الاستنزافية والنزاعات، هي إحدى النقاط الجوهرية في الاستراتيجية المعادية. فبالحروب والنزاعات يضعفون الدولة ويحيلونها إلى دولة رخوة ضعيفة تفقد السيطرة على أوضاعها الداخلية، يسودها عدم الاستقرار وتكثر بداخلها الاضطرابات الأمنية والاقتتال فالنزوح واللجوء، ويكون كل ذلك سبباً للتدخل في شئونها وتوجيهها حسب مخططاتهم.
وفى إطار هذه الاستراتيجية استثمروا الأوضاع في الجنوب، ليدخلوا البلاد في حرب استنزافية طويلة الأمد. وكانت فطنة أهل السودان وقيادتهم كبيرة عندما عملوا على تفكيك هذه الاستراتيجية والوصول إلى سلامٍ مع المحاربين.
وعندما رأت بعض جهات الاستراتيجية المعادية في سلام الجنوب فسحة للاستقرار ربما تفيد الدعوة الإسلامية، هرعوا بصورة ماكرة إلى إيقاد نار الحرب في دارفور وتدويلها وقيادة جلبة في الإعلام الدولي عملت على تضخيمها وإبرازها كأسوأ كارثة إنسانية كما يدعون، ودسوا من خلالها دعاوى التطهير العرقي والابادة الجماعية والاغتصاب. وهيّأوا شرق السودان ليكون بديلاً آخر لحرب دارفور إن أطفأ الله نارها.
وتظل استراتيجيتنا الذكية تكمن في فض النزاعات وإزالة بؤر التوتر والنجاح في تحقيق السلام وإيقاف الحرب، في مواجهة الاستراتيجية المعادية .
ماذا كسبوا من استراتيجية الحرب وإثارة النزاع ؟
إنهم بحسم سلام الجنوب خسروا رهانهم، فقد كسبت دعوة الإسلام إيقاف الحرب وتثبيت المبادئ، لكنهم كسبوا أمراً مهماً بالنسبة لهم وهو تمكنهم من إحداث إنشطار في الوجدان المسلم، فالكتلة المسلمة التاريخية في السودان (كما يسمونها في دراساتهم) ظلت لقرون طويلة متحدة يعمر وجدانها الإسلام والإيمان إخاءً صادقاً لا يعرف التجزئة، لكن الأعداء في بيئة الحرب وإعلامها تمكنوا من إحداث انشقاق في هذا الوجدان المسلم إلى نصفين عربي وإفريقي، وغذوا النزعة العنصرية العرقية ليصطرع الأخوان، وكانت هذه أكبر فتنة من فتن الحرب، بالإضافة إلى فتنة الجهويات ودعاوى التهميش.
3/ تحدي الاحتواء والاستيعاب:
هنالك استراتيجية موازية لاستراتيجية الحروب والنزاعات ضد الدعوة الإسلامية هي إستراتيجية الاحتواء والاستيعاب. احتواء الدعوة الإسلامية واستيعابها في إطار المشروع الغربي وتفريغها من محتواها العقدي والقيمي والثقافي. وهي استراتيجية قديمة استخدمها السوفيت إبّان عنفوان الشيوعية في مواجهة مسلمي الاتحاد السوفيتي ومسلمي دول البلقان، فقرأنا حينها عن الإسلام (الأحمر) والإسلام (الاشتراكي) وهو إسلام يتقبل الشيوعية ويهضمها !! . وكذلك سمعنا أيام الحرب الباردة عن الإسلام (الليبرالي) والإسلام (الديمقراطي).
وسياسة الاحتواء والاستيعاب تعنى أن يقبل قادة الدعوة الإسلامية القيم والثقافة الغربية بل يلبسونها لباس الإسلام ويتبنونها. ويعني ذلك أن تنبهر باللافتات التالية:
حقوق الإنسان - الديمقراطية -الحكم الرشيد -عدم التمييز ضد المرأة - سياسات السكان .
وغيرها من العناوين ، بالتفسير الغربي ، ونلغي تماماً تصورنا للحياة وخصوصياتنا الثقافية ، بل ونلغي الكل الذي ينتج تصوراتنا للحياة والإنسان والكون وهو عقيدتنا .
الاستجابة :
ماهي الاستجابة المطلوية لهذه التحديات الخارجية ؟
التمسك بالإسلام رسالة ومنهجاً (تأكيد الذات) أو (تأكيد الهوية) . نعم التمسك بالإسلام رسالة عقدية ومنهجاً ، واليقين بأنه الحق .. وزرع ذلك في أجيالنا الناشئة وتثبيت أمتنا عليه. ثم التصدي الواعي للاطروحات الغربية وبيان بطلانها وخطرها على مستقبل البشرية. ولكن ليس رفضاً للحضارة الغربية وحسب !! ولا تأكيد هويتنا وحسب ! بل نسعى لتحقيق (الذات) وتحديد موقعنا في الحياة وتثبيت بصمتنا فيها كمسلمين واستعادة دورتنا الحضارية علماً وأخلاقاً وقوة اقتصادية وعلمية.
التحديات الداخلية (تحقيق الذات):
1/ ابتدر دورة جديدة للدعوة الإسلامية (إحداث النهضة):
أقوى التحديات أن نعلن وبإصرار عن دورة تاريخية جديدة للدعوة الإسلامية ونجدد العزم على إنجازها. ألسنا على وعدٍ من الله ورسوله أنه يُجَدّد لنا أمر ديننا كل مائة عام ؟ بلي والله فما علينا إلا العزم، العزم بابتدار دورة جديدة للدعوة للإسلام تنتشر بها هداية الله، ويكثر فيها الدعاة والعلماء والمفكرون الهداة، ويعم بها الخير وينضج فيها الفقه والعلم، وتنتشر وتكثر الكتب والمكتبات، وتعم الطاعات وتضمر وتختفي الفواحش والمنكرات، وتعمر حياة المسلمين وتكثر خيراتهم وأموالهم وتهنأ حياتهم.
ولنبتدر هذه الدورة الجديدة للدعوة الإسلامية فهنالك تحديات فرعية هي:
أ/ إخراج المسلمين من دائرة القاعدين إلى دائرة الإسلاميين العاملين، قال تعالي (لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكُلا وعد الله الحسني وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما) النساء الآية (95).
ب/ إعداد العلماء الهداة: ابتدر الدورة يحتاج إلى إعداد العلماء والمفكرين الهداة الأذكياء، الذين يقدمون رسالة الإسلام بقلوبٍ تقية وعقولٍ ذكيةٍ. يقدمونها رسالة أصيلة سمحة عادلة خيرة، قوية الحجة رفيقة الطرح جميلة المظهر والمخبر.
وينتجون الشعارات والموجهات التي تحرك وجدان الأمة، ويطرحون الحلول البناءة لقضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسية، ويبنون الثقة في نفوس ناشئة الأمة، الثقة في دينهم ومنهجهم.
ج/ إعداد الدعاة الصادقين: الذين يوجهون الأمة من خلال مؤسسة الدعوة الأولي (المسجد) فيوحدون وجدانها وصفها وقبلتها، وينسقون جهدها.
د/ إعداد المؤسسات المقتدرة: وتنظيم المجتمع وتدريبه وتأهيله وتوظيفه في الدعوة ، وفى تطوير خدماته وترقية حياته.
ه/ إحكام خطة الدعوة :ومن التحديات إحكام خطة الدعوة باتباع المنهج العلمي، وإعادة تنظيم مؤسساتها وطاقاتها. وضمان شمول الخطة ودقة تصويبها نحو الأهداف.
و/ التفكير مسبقاً في ناتج الخطة :نعم التفكير المسبق في ناتج الخطة وتحديد مواصفات هذا المنتج في كل مجال، في المرأة وفى الشباب وفى الأطفال. وفى علم الدعوة وفقه الدعوة والمعرفة المطلوب إخراجها، ونوع العلماء والدعاة بل المهارات والقيم المبتغاة.
2/ تحدي وحدة العمل الإسلامي:
تعدد الجماعات والمدارس الفكرية الإسلامية
واقعنا تتعدد وتتنوع فيه المدارس الفكرية والفقهية الإسلامية، فلدينا الطرق الصوفية التي تشكل قطاعاً اجتماعياً عريضاً، والجماعات السلفية، وإخواننا أنصار السنة، والإخوان المسلمون، والحركة الإسلامية، وأنصار وختمية وحزب تحرير..... إلى آخر هذا الطيف الإسلامي الواسع، وأهمية هذا التعدد في الجماعات - سلباً وإيجاباً - تكمن في طبيعة الرسالة والخطاب الذي تتبناه هذه الجماعات في المجتمع ، فإن نحن جميعاً أدركنا أننا نصدر من مشكاة واحدة، يصوب بعضنا بعضاً، في إطار أدب الخلاف الإسلامي الذي توجهه أصول الدين وفقهه، ويقدر كلٌ منا للآخر جهده في الدعوة ويدعو له بالخير، ولا تدعي جماعةٌ خيريةً لها على الأخرى أو تزكي نفسها، بل لكل اجتهاده وبذله وعطاؤه، كنا جميعاً في ظلال قوله تعالي (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقوله تعالي (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة الآية (143).
وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران (103-104)، إذا كانت الجماعات الإسلامية كذلك في طرحها، كانت رسالتنا للمجتمع نافذة يعضد بعضها بعضاً ويكمل بعضها الآخر، فتاريخ السودان يشهد:
- للمتصوفة بدورهم في نشر الإسلام والقرآن ورعايته.
- ولا ينكر أحد على الجماعات السلفية أهمية دعوتها إلى صحة العقيدة وصفاء التوحيد من الشوائب.
- ولا ينكر أحد على الحركات الإسلامية دعوتها القوية لتحكيم الإسلام في شئون الحكم والسياسة والاقتصاد وتحكيم الشريعة في كل شئون الحياة.
أما إذا كانت الرسالة الصادرة عن الجماعات والمدارس المختلفة نحو المجتمع متناقضةً ومتباينةً في منطلقاتها، ومتنازعة.. وأصبح الخطاب الدعوي يشوش بعضه على بعض.. فبدون شك سيضر ذلك بالرسالة الكلية الموجهة للمجتمع وتحدث البلبلة في القلوب والعقول وتعم الفوضى في السلوك والممارسة ونقع جميعاً بلا جدال تحت ظلال قول الله عز وجل:
(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) الأنعام(159).
وقوله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه جرير بن عبدالله أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع إستنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري ومسلم.
والمطلوب ليس بالضرورة توحيد هذه الجماعات الإسلامية بل الأقرب هو تناصرها وتكاملها، وعدم تناسخ أعمالها وتشاكسها.
3/ تحدي العروبة والإفريقية:
إن من أخطر خطط الاختراق لمجتمعنا المسلم في السودان، دعاوى تقسيم الوجدان الإسلامي الصافي إلى عربي وأفريقي، وبذر بذور البلبلة والخصومة العرقية والعنصرية في الصف المسلم. وهو اختراق حديث وخبيث تغذيه دوائر معادية ضمن خطط التقسيم والتفتيت للكتلة المسلمة والكتلة الوطنية عامة كما سبق ذكره.
وإن ديننا الذي كرم الإنسان بالتقوى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) وجعل التفاضل بين الناس بالتقوى والعمل الصالح يأبى علينا ذلك وتحرمه شرائعنا، فالمسلمون إخوة (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وفى الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وفى الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد (عن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لابيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).
وشواهد الواقع تشهد أن الدين الإسلامي ليس دين العرب ولا دين العجم بل دين شعوب متعددة ومتنوعة تغطي كل قارات الأرض، والمقابلة بين العروبة والأفريقية هي الأخرى إحدى التحديات المعاصرة التي يحتاج المسلم لأن يتوازن فيها ويطرح فيها طرحاً يدعم الأخوة الدينية ويقويها.
4/ تحدي الخطاب الإسلامي نحو الآخر:
أ/ إخواننا في الوطن من المسيحيين وغير المسلمين الآخرين:هؤلاء مواطنون أصلاء، يتساوون معنا في الحقوق والواجبات، يجمع بيننا وبينهم إخاؤنا في الوطن.. وبعد اتفاقية السلام بيننا وبينهم عهود ومواثيق واتفاقات وهم لهم أديانهم ومعتقداتهم وكنائسهم ودور عبادتهم ولهم خطابهم الديني الحر، ومن سياسة دولتنا ألا حجر عليهم ولا تقييد، فحرية الضمير والمعتقد مكفولة ولا إكراه في الدين.. والله عز وجل يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة الآية (8) وهم كذلك يشكلون تحدياً لخطابنا الدعوي ومؤسساته الكثيرة المتعددة ، فما هي موجهات الخطاب الدعوي الذي يشكل تعامل وسلوك جمهور المسلمين مع المسيحيين وغير المسلمين ؟؟
ب/ رعايا الدول الأجنبية من المستأمنين بدولة السودان :وهذا ضربٌ من ضروب التحدي الحديث للخطاب الدعوي، ففي دولتنا سفراء لدول أجنبية ورعايا. وحركة الاتصال والتجارة والاقتصاد فرضت حركة كبيرة وانتقالاً للناس من دولهم إلى دول أخري ومصالح واسعة نشأت. وهؤلاء في العرف المعاصر هل يمكن تصنيفهم من المستأمنين بالدولة المسلمة أم لا ؟ وما هوخطابنا نحوهم الذي يحبب إليهم الإسلام ولا يبغضهم فيه ؟ ويقربهم من نوره المبين ولا ينفرهم منه ؟ ويشوقهم إليه ولا يصدهم عنه ؟ و الله تبارك و تعالى يقول (يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة الآية (8).
خاتمة:هذه إشارات عابرة، وقراءة في دفتر مطلوبات الدعوة الإسلامية، وهو موضوع مهم لابد أن تتوفر عليه عقول العلماء والمفكرين المخلصين لتطوير خطة مكتملة يتبعها عمل مخلص وصادق نسأل الله تعالي أن يبارك في الجهد ويسلّم الأنفس من نزغ الشيطان وتوهيمه.
وصلى الله علي سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.