دون المساس بما ورد في عموم المؤتمر الصحفي الذي عقده د. المعتصم عبد الرحيم وزير التربية والتعليم بوكالة سونا للأنباء.. أود التعقيب على بعض ما جاء على لسان السيد الوزير والذي أحسب أنه يعمل بهمة وذمة.. وبرؤى خلاقة واسعة في المدى الزمني القصير الذي استلم فيه ملف الوزارة المثقل بالأعباء.. والمترع بالشجون «أربعة أشهر فقط».. فالتعليم.. كما ذكر «سيادته» أصبح له شركاء.. كوسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية.. وكل الفضاء الأثيري الذي يجيد أصغر طالب التعامل معه ربما أكثر منا نحن الكبار. تغيرت التركيبة الاجتماعية وزادت الضغوط الاقتصادية وتشابكت المشكلات الأسرية.. مما أفرز أمراضاً واضطرابات نفسية قد لا تظهر جلياً لدى الكثيرين ولكنها تتبدى مصادفة عندما يفقد «المضطرب السيطرة».. ويمارس أفعالاً مخلة بالآداب والسلوك.. وتصبح الكارثة أكبر عندما يمارس هذه الأفعال من هو منوط به غرس الفضائل.. والقيم التربوية.. «أقول مضطرب لأنه من المستحيل على شخص طبيعي ومعلم أن يفعل ذلك».. غلى المجتمع السوداني كالمرجل.. وانتفض الرأي العام.. مستنكراً متغززاً.. من حادثة المعلم المتهم باغتصاب عدد من التلاميذ بإحدى المدارس.. ولأن لأي إنسان كائناً من كان.. ومهما بلغت جريمته وفظاعتها وبشاعتها الحق في محاكمة عادلة قبل إدانته. أكتب مقالي هذا بصفتي «محامية» مارست القانون.. ودرست الشريعة ولا أقيس أبداً الأمور بالعاطفة والانفعال.. وقد قال السيد الوزير إن التقرير الطبي أكد أن الواقعة تحرش وليس اغتصاباً.. والفرق بميزان القانون والعقوبة ومداها وإجراءاتها جد كبير.. فالتحرش المنصوص عليه في قانون الطفل لسنة 2010م المادة «45/ج» يمكن أن يكون ملامسة.. مداعبة.. أو أي فعل خادش لا يرقى لمرحلة المواقعة.. «فالاغتصاب المادة «45/ب» هو مواقعة لأي ذكر أو أنثى بالإكراه»!.. وإطلاق سراح المتهم بالضمان لم يقرره السيد الوزير.. بل النيابة المختصة التي فتح أمامها البلاغ.. وبموجب التحريات الأولية والتقرير الطبي وبعد اكتمال المحاكمة فإن قرار المحكمة سيكون بموجب الأدلة والبينات.. وليس بموجب العاطفة والانفعالات وإن كنا نرجو عقوبة رادعة مشددة لطبيعة الجاني والمجني عليه إذا ثبتت التهمة.. فالعقوبة دائماً تتساوى مع الجريمة فليس الضرب كالقتل مثلاً.. أنا هنا لا أريد أن أبرر هذا الفعل المستهجن.. ولكن أريد أن ننظر للموضوع بعقلانية ونترك للعدالة الفرصة كاملة لتأخذ مجراها.. ولأن الخطأ من الطبيعة البشرية فقد بنيت المحاكم على التدرج.. من الدرجة الأولى.. فالاستئناف والمحكمة العليا وحتى الدستورية.. وبعدها يكون القرار نهائياً!! إن وزارة التربية يصعب عليها فعلاً أن تتحرى أو تتنبأ بأن هذا المعلم أو ذاك عديم الأخلاق فحتماً سيحاول أن يخفي ذلك بكل الوسائل.. ولكن عليها أن تعمم النشرات وتبحث عن الطرق التي تعيد للمعلم دوره كمربي ومسؤول.. وأن تبحث للمعلم عن الرضا الوظيفي لأن أجور المعلمين من أدنى المراتب مقارنة ببقية المهن.. عليها ابتكار تدابير احترازية.. وضوابط منعية تقلل من فرص ارتكاب هذه الجرائم.. وعلى المجتمع والأسرة أن تمارس الدور الرقابي على الأبناء.. خصوصاً عند الدروس الخصوصية داخل المنازل.. فنحن في زمان يجب أن نتعامل فيه مع أي شخص غريب أو قريب بحذر ومراقبة «وهنا سوء الظن من حسن الفطن». إن أسر المتحرش بهم ساهمت بشكل أو بآخر في هذه المسألة.. وعدم التواصل مع الأبناء وسؤالهم أو ملاحظة التغيرات الطارئة عليهم كلها مؤشرات تدل على أن الأسر لا تمارس دورها التربوي والرقابي والتوعوي لأبنائها بما يكفي.. «فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».. لطالما قلت إن وزارة واحدة ووزير واحد لو كان رجلاً خارقاً.. لن يستطيع بلا تكاتف المجتمع والدولة والأسر أن ينهض بالتعليم من كبوته.. ويمنع المخدرات وتسرب التلاميذ.. ويحصحص أخلاق المعلمين. صحيح أن هذه مسؤوليته حكماً.. ولكن إنزالها على أرض الواقع شبه مستحيل إن لم تتضافر كل الجهود.. الأسر مع الأبناء في المنزل.. الدولة لدعم التعليم الحكومي.. وضع ضوابط وشروط للتعليم الخاص غير الحكومي.. المجتمع بالملاحظة والمشاهدة والمناصحة والتوعية من باب من رأى منكم منكراً. إن هؤلاء الطلاب هم أبناؤنا وإخواننا.. وصفارنا ونحن لا نتحمل أبداً أن يصيبهم مكروه.. فعلى الوزارة السعي لتوفير مشرف اجتماعي أو نفسي في كل مدرسة.. وتدريب المعلمين وتزويدهم بجرعات تأهيلية لكيفية التعامل مع التلاميذ وإعطاء نسخة من قانون الطفل لكل معلم.. وفرض رقابة إدارية على سلوك المعلمين «فهناك كثير من الأشياء تعرف بالملاحظة» ونهيب بكل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات وخصوصاً شركات الاتصالات العمل جنباً إلى جنب لتوفير معينات العملية التربوية قبل التعليمية!! إن الاستوزار قيد ثقيل وتكليف مضنٍ.. وهموم متصلة.. فالقائم على قضاء حوائج الناس أفضل عند الله من القائم ألف ليلة. زاوية أخيرة: وضعت أمام السيد الوزير د. المعتصم خمسة ملفات فاختار التربية والتعليم رغم همومها.. لأنه في المقام الأول معلم.. ومربي.. أعانه الله على حمله الكبير وحمى صغارنا ونور عقولنا.. فكثير من السوابق تتطلب الحكمة والتأني والصبر.. فلو اتبعنا عواطفنا لمارسنا شريعة الغاب.. وعندها تزول دولة العدالة والقانون!!