رغم مرور أكثر من اسبوعين على رأس السنة الجديدة، إلا أن مجالس المدينة ما زالت تتحدث عن تلك الاحتفالات التي صاحبتها، والسلوك الغريب على مجتمعنا وثقافتنا التي نتحلى بها، وكيف أن هذا اليوم تلبَّس الشيطان الكثيرين، ودفعهم للإتيان بأفعال إن عُرضت عليهم بعد زوال- تلك الحالة- لما صدقوا أنفسهم حينها لأنه سلوك بحق يتنافى كثيراً عما عرف عنا من سلوك وتقاليد وعادات تختلف كل الاختلاف عما يجري في أمثال تلك الليلة من تصرفات. فترى الصراخ والعويل يقلق مساحات هذا المساء.. ونعم الله من بيض وطماطم ومياه وخلافه يتقاذف بها في مرح غير بريء، ونحمد لارتفاع الأسعار فضلها في التخفيف عن استخدام البيض والطماطم هذا العام، وإن حرص البعض لاستخدامه رغم غلا الثمن، في الوقت الذي ترى العشرات يبيتون تلك الليلة وبطونهم خاوية لضيق ذات اليد، ولو دروا أن هناك ممارسات كتلك تتم لخرجوا إلى الشوارع ليس للمشاركة في تلك الفوضى، ولكن لاصطياد هذا البيض والطماطم ليلقمون به كلاب الجوع، «فمصائب قوم عند قوم فوائد».. فما يحدث في تلك الليلة هو أقرب لحالة اللاوعي، وقد تجد نفسك وأنت تسير على رصيف طريق في تلك الليلة الشاتية بماء بارد يندلق عليك من عربة عابرة تصاحبها قهقهات وصيحات من شباب، لا يدرون كم من لعنات تلاحقهم جراء هذا المسلك. أما الكثيرون فقد التزموا ديارهم وهم يدركون ما يصاحب تلك الليلة، بل الكثيرون استسلموا للنوم حتى قبل أن تحل تلك الدقيقة الفاصلة بين العامين، والبعض الذي شاهد الأحداث تحسر على هذا الوضع الذي آل إليه حال المسلمين وهم يقلدون الغرب هذا التقليد الأعمى، وساق بعضهم اللوم على الأئمة والمدارس والجامعات في عدم تبصرة الشباب والطلاب بتلك العادات الدخيلة على مجتمعنا. والعجب أن الدولة التي يفترض أن تكون رأس الرمح في هذا التغيير ومواجهة تلك العادات الدخيلة، تجدها تحض على الخروج في تلك الليلة، بل وتنصب سرادقها في الساحات ليؤمها الشباب، وهي الدولة الدينية التي تدرك في قرارة نفسها أن الأعياد عند المسلمين عيدان هما الفطر والأضحى، بل والعجب أن تلك الليلة والإحتفال بها قد طغى حتى على أعياد استقلالنا، ذاك اليوم الذي تحرر فيه السودان من المستعمر، ولكن يبدو أنه استقلال سياسي، ولكن الاستعمار بقى جاثماً على صدورنا بعاداته وثقافاته التي بات شبابنا أسيراً لها، وبحق أننا لا نحتفل برأس سنة، وانما هي سنة بلا رأس لا ضابط فيها، ولا فكر، ولا مرجعية.. فهل جلسنا دولة وعلماء وشرعيين لنحلل تلك الليلة التي تتكرر علينا كل عام!!، ودرسنا آثارها وعملنا على معالجة تلك الوقائع، ووجهناها نحو إرثنا وتراثنا وعاداتنا حتى يعود العام القادم علينا ويجدنا قد أحدثنا التغيير اللازم وعاد للسنة رأسها!!