نواصل في هذه الحلقة من (خلاصة الحكي) مع المزيد من طرائف ناس كندا ونبدأوها بأخونا نبيل يوسف، وهو رجل لطيف وخلوق من أخوانا الأقباط كان يمتلك محلاً للأدوات الكهربائية بشارع الحرية، كما كان يستمتع بالاجتماعيات الحلوة بنادي المكتبة القبطية مساء، ولقد أجبرت الظروف أخونا نبيل مثله مثل كثير من السودانيين للهجرة الى كندا، وهناك دخل في دوامة العمل الشاق، والبرد الشديد، والاجتماعيات الشحيحة، فافتقد السودان كثيراً، والتقيته ذات يوم في مدينة اسكاربورو غرب تورنتو مكان إقامته وسألته عن أحواله فقال لي: )والله يا عثمان أنا في كندا بقيت شاعر، فقلت له ما شاء الله، طيب ورينا العينة فقال لي: ده أول بيت شعر كتبته في حياتي يقول: تيمن الشعراء بك حسنا واختيالا.. كندا إني أراك زبالة)!! وفعلاً يا خوانا كندا بتخلي الزول يكتب أبياتاً غريبة من الشعر، واذكر إني كنت قد عشت بمدينة(وينبيج) لفترة من الزمن، وهي واحدة من أبرد المدن في كندا، وقد كان شتاء عام 2001 عدداً خاصاً، مليء بالعواصف الثلجية ودرجات الحرارة المتدنية للعشرات تحت الصفر.. وذات مساء كنت في طريقي لمناوبة ليلية، ولفحني الزمهرير فسالت دموعي وبدأت تتجمد على رموشي، وبدأت أحس بذرات صغيرة من الثلج بدأت تتكون داخل أنفي، وفي اليوم التالي أعدت صياغة رسالة الاستقبال على جهاز التسجيل الملحق بالتليفون، حيث قلت فيها (تجمد الدمع في المآقي وتيبست (المخاخيت) في المناخير.. يااا وينيبج السجم متى يكون لبردك آخر)، وبعد يومين سمعت صوت أخي أحمد حسين مسجلاً وهو يضحك بعد سماعه لرسالة الاستقبال، وقد هاتفني من دبي إذ قال (يا عثمان البردان.. معاك أحمد الحران)!! أخونا عصام السياسي واحد من ظرفاء تورنتو، اتصل عصام بوالدته في (الويك اند)، وعند نهاية المحادثة طلب منها أن تعطيه أو ترشح له ستة أرقام لأنه سيلعب اللوتري في مساء ذلك اليوم، فسألته والدته (اللوتري ده شنو؟) فقال لها (اللوتري ده زي توتو كورة عندنا زمان في السودان.. فقالت له (نان ده ما قمار عديل يا ولدي).. فقال لها (قمار شنو يا أمي دي لعبة حظ تلعب بدولار واحد ممكن تكسب أربعين مليون دولار) فضحكت الحاجة وقالت له (كان كدي سبعة- خمستاشر- ثلاثين..) الحاجة فصلت طوالي.. أما أخونا منتصر الخضر فهو أيضاً من ظرفاء كندا، وقد اشتهر بتدبير المقالب الطريفة.. وذات يوم عاد من العمل ودخل شقته وعلى طول على أوضة النوم، حيث رقد على السرير ممسكاً بصدره ونفسو قايم، ونادى على زوجته التي أتت منزعجة (مالك يا منتصر إن شاء الله مافي عوجة؟)، فقال لها وهو يمثل مكابدة الألم (أنا خلاص شاعر اني حأموت عشان كده داير أوصيك، أول حاجة القطعة بتاعة كافوري تسجليها لى أمي، والقطعة بتاعة سنار تشيلها أختي، والحافلة يدوها محمد أخوي عشان محمول والقروش في البنك لأمي تبني منها وتتصرف منها، وأولادي ديل في ذمتك تخلي بالك منهم فقالت له زوجته هو انت خليت لي حاجة اشوف بيها الأولاد؟)!! مطاعم البوفيه المفتوح الصينية في كندا من أشهر المطاعم وأرخصها، ففي تسعينيات القرن الماضي كان من الممكن أن تأكل ما لذ وطاب وبأي كمية من مقبلات وسلطات ومطبوخات ومشويات وأسماك وحلويات، وما الى ذلك بخمسة دولارات فقط للفرد، وكانت تسمى بمطاعم (All you can eat) تصادف أن رجلاً صينياً وزوجته قد افتتحا مطعماً من شاكلة البوفيه المفتوح جوار منزل أخونا الشفيع أحمد، وكان يسكن معه أخونا أشرف عبد الوهاب وكلاهما من (الهدافين) الخطرين فأخبر الشفيع أخونا أشرف بأمر المطعم وقال له (بدل ما نعمل أكلنا في البيت يكلفنا خمستاشر عشرين دولار أحسن نضرب في المطعم الصيني بخمسة دولارات بس)، وبدأت الهجمة السودانية على المطعم الصيني يومياً في مواعيد الغداء ضرب تقيل، وبعد أسبوع واحد فقط حضر الشفيع واشرف ووجدا الصيني صاحب المطعم واقفاً بباب المطعم والشرر يتطاير من عينيه، وهو يصرخ فيها (You tow no more! No more). حضر أخونا عمر عيسى بروزة الى مدينة نيويورك لأول مرة من السودان، وفي أول اسبوع أصيب بنزلة شديدة فاصطحبه واحد من الأخوة السودانيين الى الطبيب ليقوم بواجب الترجمة، وطلب الطبيب من مرافق عمر أن يسأل عمر ليصف له ما يشكو منه فترجم المرافق سؤال الطبيب لعمر فقال له عمر (قول ليه عندي خبيتة) فقال المرافق (ودي أترجمها ليك كيف؟(ومن ذلك لقب أخونا عمر ب(عمر خبيتة)!! في كندا كانت لدي عادة مزعجة لأولادي وهي إنني أبدي ملاحظاتي على بعض التصرفات، وأحك المسألة لما تجيب الدم، ويستحمل الأولاد على مضض، ولكن في الآخر بتجيب نتيجة، وذات مرة وبعد عودة ابنتي (دوانا) من أول زيارة لها للسودان كنت (بنق) في موضوع ومعها اختها (رباح) وفجأة لاحظت أن في عيني (رباح) ضحكة مكتومة وهي تنظر خلسة (لدوانا)، فالتفت ناحية دوانا ووجدتها هي أيضاً تضحك ضحكة مكتومة، وكانت قابضة على أصبعها السبابة بيدها اليسرى، وتحرك يدها اليمنى في ما يشبه بري القلم، ولما سألت عن ما يجري قالت لي دوانا (زي ما بقولوا ناس السودان بقيت براية يا بابا). كنت قد أحضرت بعضاً من الخردوات في التسوق الاسبوعي للبيت، ومن الضمن دقيق عصيدة، وقراصة، ودقيق دخن، وطلبت من ابنتي (ريان) أن تقوم بلم ما أحضرته وكانت (ريان) لا تعرف دقيق الدخن وبعد قليل عادت لي وسألتني (انت يا بابا الأسمنت الخاتيهو مع دقيق العصيدة ده شنو؟)!!