تابعت في القنوات الفضائية فعاليات الأحتفال بنجوم(سحرالقوافي) في الشعر بضروبه الثلاثة..(فصيح .. عامي .. دوبيت) وتابعت النماذج التي قدمت هي أشعار مافي ذلك شك.. محتشدة بالموسيقى وبعض السحر.. لكن ما استوقفني إنه لا جديد يذكرلا في الشكل ولا المضمون إنها قصائد جاءت على النسق المعروف بل إنك لتجد ملامح(القدال) مثلاً في شعر العامية.. وتلمح أطياف لمصطفى سند هنا وللكتيابي هناك.. إنها قصائد جاءت من معاطف الشعراء السابقين.. لكن القصيدة الثائرة.. التي تجعلنا نقول إن هذا الشاعر احتطب في الغابة لوحده لن تجدها.. ليس المطلوب العبقرية في كل الإنتاج لكن كنت أتمنى أن أرى قصيدة أو بالأحرى أن أستمع إلى قصيدة فأهتف: هذا شاعر مجدد هذا أحتذى طريقة جديدة.. هذا أبدع نموذجه الخاص.. هذا قائد مدرسة جديدة.. عندما أصدر الشاعر الراحل المقيم (نزار) ديوانه الصغير الأول قالت لي السمراء في سبتمبر 1944 بشر به الدكتور(منيرالعجلاني) وكتب في المقدمة مخاطباً نزار مباشرة.. يانزار: إنما أنت شيء جديد في عالمنا ومخلوق غريب. _ دكتور(العجلاني) الذي قدم المجموعة يشبه نزار في جموحه حين يصف التقليديين بأقذع الألفاظ فهو يقول لنزار محرضاً: لا أسألك.. لا أسأل الله إلا شيئاً واحداً.. أن تبقى كما أنت طفلاً يصور ويغني ويعشق.. كأنه ملاك يمشي على الأرض، ويعيش في السماء لا نطلب الشاعر الخالد الذي يعيش في المجامع العلمية والمكتبات الأثرية.. يجر وراءه في الطريق الصحراء القاحلة وعفونة جماعة من أغبياء المعلمين. بعد ذلك في هذا الكتيب يطرح نزار مشروعه الشعري.. فما خرج شعره بعد ذلك من أجندة ديوانه الصغير الأول: قالت لي السَّمراء _ قصيدته الأولى إلى القاريء يطرح فيها مشروعه الشعري الذي سار عليه : أنا الحرف أعصابه نبضةُ .. تمزقه قبل أن يولدا أنا لبلادي لنجماتها .. لغيماتها للشذى للندى _ آخر قصيدة في الديوان كانت تحدث عن أقدم مهنة في التاريخ.. وبقدر ما صور فيها البغايا في سمت بغيض بقدر ما انحاز للمرأة.. ولم يعف الرجل من الأدانة.. يا لصوص اللحم يا تجارة هكذا لحم السبايا يؤكل منذ أن كان على الأرض الهوى أنتم الذئب ونحن الحمل وقد ختمها بعبارة : تسقط البنت ويحمى الرجلُ _ عموماً ومن وحي هذا أخاطب أحبتي الشباب: هذا هو نزارالذي أحتل منصة الشعر العربي تفجرت موهبته الفذة، وآمن بها رجل نبيل رأى فيه موهبة فتحمس لها وأنصفه وروّج له. _ صحيح.. صديقي الشاب.. صديقتي الشابة.. قد لا تجد ذلك الذي يقف معك.. فالأدباء في بلادنا أنانيون.. جلهم لا يقف مع المواهب ولا يبذل نفسه من أجلها.. ونقادنا لا يهتمون بالموهبة إلا إن كانت قد أحتطبت بليل وشقت طريقها بمفردها _ لكن لا يهمكم.. مدوا ألسنتكم لهم.. وثقوا بأنفسكم وأجتهدوا.. إن كنتم أصحاب موهبة فستظهر فقط نموها.. إن آمنتم بما تفعلون فلا تتزحزحوا عنه.. خاصة إن مساحة المسكوت عنه قد زادت.. لا تلتفتوا إلى عمامات الوعظ.. ومعظم حُراس أبواب الثقافة يمارسون الدَّجل الأدبي والشَّعوذة الفنية.. تحركهم الصداقات والإنتماءات والشُّلل.. _ أخيراً (داروا على شمعتكم تقيد)