الصين أبرز الكيانات الصناعية حول العالم: لا يخفى على أحد أن الصين اليوم أصبحت من أبرز الكيانات الصناعية والتجارية حول العالم، وأن الصادرات الصينية المختلفة باتت قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية والتفوق على الكثير من المنتجات الأوروبية والأمريكية. لقد أصبحت الصين عملاق صناعي جديد، نما وتشكل في ظل طفرة اقتصادية هائلة عرفتها البلاد خلال القرن الماضي، وخرج يغزو الأسواق التجارية العالمية وينافس في أهم مواقع الإنتاج. ويتفق كل من كتب في هذا الموضوع على تنوع وكثرة المميزات التي تزخر بها الصناعة الصينية وليس لها مثيل في أية دولة أخرى في العالم، لعل أبرزها انخفاض تكلفة العمالة بشكل يصعب منافسته، ومهارة ودقة العامل الصيني طوال الوقت دون كلل أو تقصير. غير أن هناك خصائص أخرى، لا تقل أهمية عن تلك المميزات الديموغرافية والتنافسية، تلعب ذات الدور الحيوي في تشكيل مستقبل خريطة الصناعة في العالم. إستقر المجتمع الصينى على مدار قرون من الزمان إلى ما يعرف باسم السلطة الموحدة، مما ساهم في تحقيق تطور اقتصادي تنبهر به العقول. وتدرجت الممارسات الدينية والحضارية إلى أن أصبحت تراثاً ثقافيًا تقوم به الاحتفالات الشعبية ومناسبات التبادل الثقافي ومن ثم تحولت إلى ألعاب ترفيهية وزينة فلكلورية ومقتنيات غرضها تهذيب النفس والروح، غير أنها احتفظت في الوقت نفسه بسمات عميقة مثل التفاني والإخلاص والجهد وحب العمل والإتقان وهي صفات ساهمت في تحقيق طفرة صناعية وتجارية هائلة وضعت عبارة صنع في الصين بمرتبة عالمية غير مسبوقة. ينظر كثير من المتابعين إلى الصين باعتبارها قوى عظمى صاعدة مع تنامي الدور الإقليمي والدولي للعملاق الآسيوي. فعلى صعيد القارة الآسيوية تكاد تكون الصين بالفعل هي القوة الكبرى الوحيدة على الرغم من بعض المنافسة من اليابان أو الهند. أما على الصعيد العالمي، فقد بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم من بينها القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية بل امتد أيضاً إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية. وقد تمكنت الصين في غضون فترة قصيرة من التحول إلى أكبر شريك تجاري للعديد من الدول والأسواق الكبرى أبرزها البرازيل واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والعديد من الدول الأفريقية، ومن ثم تشير أغلب التوقعات إلى أن الاقتصاد الصيني سيحتل المرتبة الأولى عالميًا في غضون سنوات معدودة وأنه سيصبح أكبر من الاقتصاد الأمريكي قبل عام 2020. تشهد الصين أسرع معدلات النمو الاقتصادي منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وخاصة منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم عام 1978، حيث ظل الاقتصاد الصيني ينمو بصورة مستقرة وسليمة وبلغ متوسط النمو السنوي 10% خلال ال30 عاماً الماضية. ويرجع الفضل في ذلك إلى برامج الإصلاح وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي التي بادرت الحكومة مع انتهاج سياسة الانفتاح على الخارج بصورة تدريجية بدءاً بإنشاء خمس مناطق اقتصادية خاصة عام 1980، وتطوير 14 مدينة ساحلية عام 1984، وإنشاء 7 مناطق اقتصادية مفتوحة عام 1985، الأمر الذي شكل حزاماً اقتصادياً ساحليا مفتوحاً بحلول عام 1992. وبفضل تطبيق هذه الخطط المختلفة، تلعب هذه المناطق المفتوحة دوراً مؤثراً في تنمية الاقتصاد المتجه للخارج ودفع التصدير وكسب العملة الصعبة واستيراد التكنولوجيا المتقدمة. وتجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي البسيط في الصين تجاوز نظيره الإيطالي في عام 2000، والفرنسي في عام 2005، والبريطاني في عام 2006، والألماني في عام 2007، حتى تجاوز اليابان في عام 2010. وكافة هذه المعطيات جعلت من الاقتصاد الصيني أكبر مركز صناعي وتجاري وتصديري حول العالم، وثاني أكبر مستورد خلال السنوات الماضية، وهو ما دعمه تضاعف حجم الانتاج الصناعي الصيني بمعدلات غير مسبوقة بعد أكثر من خمسين عاماً من النمو الصناعي، حتى أصبحت الصين من أبرز المراكز العالمية لإنتاج وتصنيع المنتجات التكنولوجية عالية الجودة. وتتصدر المنتجات الصناعية الصينية الكثير من أسواق العالم، وأبرزها أسواق الحديد والصلب والفحم والاسمنت والاسمدة والاجهزة التلفزيونية وبرامج الحاسب الآلي وصناعة السيارات، ويتربع السوق الصيني أيضاً على عرش صناعة الأدوية والمضادات الحيوية واللقاح، والأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. الصين تتفوق على امريكا في الصناعة: أشارت تقارير الناتج الإجمالي العام للولايات المتحدةالأمريكية، والصين، واليابان - وهي الدول الأعلى في مرتبة الإقتصاد العالمي- إلى وصول الرقم الأخير للناتج الإجمالي المتحقق للولايات المتحدةالأمريكية إلى 14.6 ترليون دولار. وأضافت هذه التقارير أن الناتج الاجمالي الأمريكي يرتفع بنحو 4 ترليون دولار على الناتج الصيني الذي سجل 10.9 ترليون دولار وجاءت اليابان متأخرة عن الولاياتالمتحدة بنحو 10 ترليونات، وعن الصين بنحو 6 ترليونات دولار بتسجيل 4.31 ترليون دولار. وأظهرت التقارير تفوقاً آسيوياً ساحقاً لطبيعة القطاعات المشاركة في رسم الصورة النهائية للأرقام، لاسيما القطاع الخدمي الذي اخذ مسارات جديدة في ضوء تقهقر القطاعات الأخرى لصالحه في كل من اميركا واليابان، بخلاف الصين التي عملت على ترسيخ القطاع الصناعي. وقال المحلل الإقتصادي والخبير المالي عمرالجريفاني:«حولت امريكا استراتيجتها الاقتصادية من دولة صناعية الى دولة خدمات، فظهر ان 76 في المائة من ذلك الناتج انما ياتي من خلاله، وعلى النهج ذاته سارت اليابان التي تعتمد على نحو 73.8 في المائة من القطاع الخدمي، وبرغم ضخامة الأرقام المستحصلة لكن يبدو واضحاً ان نتائجها لا تعتمد على الارتقاء بالانسان كمحور للحياة بخلاف قطاع الصناعة الذي ينظر اليه على انه ركيزتها وعامل نموها المهم». واضاف الجريفاني: ان ايرادات القطاع الخدمي سريعة ومجزية لكنها ليست مستقرة، لأنها تخدم الاعمال، فإذا غابت الاعمال اصيب القطاع بالشلل، ان اغفال القطاع الصناعي -وهو الحلقة الأهم- المولد للوظائف، يحدث خللاً في المعادلة الاقتصادية، وهذا ماحدث في منطقة اليورو، وما يحدث اليوم في اميركا، وقد ادركت الصين سر المعادلة الاقتصادية منذ فترة، وقامت بتوزيع سلة الناتج القومي بين قطاع الخدمات والصناعة بالتساوي تقريباً، حيث نجد ان الصناعة شكلت نحو 46.9 في المائة من الناتج القومي، بينما شكلت الخدمات نحو 43 في المائة، وبهذا تمت موازنة القطاعات وتعزيز التكامل بينها لتسيرعجلة التنمية بسلام وازدهار . هذا وبين اخر احصاء نشر عن قيمة الناتج الإجمالي القومي في الولاياتالمتحدةالامريكية عن تحقيق نحو 14.6 تريليون دولار امريكي، نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه وصلت الى 22.1 في المائة من اجمالي الناتج القومي، وقطاع الزراعة نحو 1.1 في المائة، اما قطاع الخدمات فقد احتل نصيب الاسد بنسبة 76.8 في المائة من اجمالي الناتج القومي، في حين بلغت نسبة البطالة في امريكا نحو 9.6 في المائة. من جهة اخرى سجل الناتج الإجمالي الصيني 10.9 تريليون دولار امريكي، نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه تصل الى 46.9 في المائة، ونسبة القطاع الزراعي10.2 في المائة، اما قطاع الخدمات فشكل 43 في المائة من اجمالي الناتج القومي. وجاءت اليابان ثالثاً كترتيبها الإقتصادي العالمي بتسجيل نحو 4.31 تريليون دولار امريكي، نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه 24.9 في المائة، والقطاع الزراعي بنسبة 1.4 في المائة، اما قطاع الخدمات فشكل ما قيمتة 73.8في المائة من اجمالي الناتج القومي. إن المقارنة بين الاقتصادين الصيني والاميركي ظالمة فعلى الرغم من تربع الثاني على عرش أكبر أقتصاد في العالم إلا أن الأول أقتصاد أدوم لأنه أقتصاد صناعي وزراعي، بينما الأقتصاد الأميركي أقتصاد مزيف لأنه أقتصاد خدمات، هذا هو السبب في ترنح الولاياتالمتحدة تحت وطأة أزمة الإئتمان لأن فترة الانتعاش كانت زائفة مبنية على أرقام ووعود وآمال أكثر منها على إنتاج وصناعة وزراعة.