لا شك ان الامير محمد عثمان ابو قرجة يحتل مكانة مرموقة ويقف شامخاً وسامقاً بين ابكار المهدية الذين قادوا الثورة الى جانب المهدي منذ انطلاق شرارتها الأولى، واصبحوا معالم في تاريخ السودان حيث انجزوا ملحمة وطنية قادت الى الاستقلال الاول للبلاد في العام 1885م خلال القرن التاسع عشر الميادي. وابو قرجة من مواليد الشمال النيلي القصي، وهو من قبيلة الدناقلة (الأشراف في المهدية)، ولعلهم سموا بذلك لأن اصولهم تعود الى الجزيرة العربية في عهد الاسلام، ولذلك فان والد الأمير ابو قرجة ينتسب الى قبيلتى «الأوس» و «الخزرج » أى الى انصار النبي عليه الصلاة والسلام، (والله تعالى اعلم)، وقد كان اسلاف الامير يقطنون بمنطقة دنقلا الا انهم نزحوا منها واستقروا بالقطينة، ومعروف ان الامير تزوج كريمة حامد شقيق الامام المهدي. وللأمير ادوار كبيرة وواسعة في تاريخ المهدية كقائد اساسي في مختلف اوجه الحياة، ففي المجال العسكري وفي معارك جبال النوبة (1881 -1882م) كان قائد بارزاً، وفي معركة شيكان الاسطورية (1883م) التى ابيد فيها الجيش الغازي وقادته بمن فيهم هكس باشا كان لابي قرجة دوره الكبير الى جانب القادة الآخرين الذين حققوا الأسطورة الفذة، وفي حروب النيل الازرق (1883 -1884م) حيث كان قائداً لا غنى عنه، اما بشأن المعركة الكبرى الفاصلة (1885م) أى معركة تحرير الخرطوم فقد عقد له الامام محمد احمد اللواء، واسبغ عليه لقب (أمير البرين والبحرين)، وأوكل له مهمة إحكام الحصار على الخرطوم (1884-1885م)، فتحرك ابو قرجة حيث انضم بقوته الضاربة الى القوات المهدية بمنطقة (الجريف)، وبمجرد وصوله ارسل غردون باشا عارضاً عليه الاستسلام، الا ان الاخير وهو في يأسه لم يرد عليه وآثر مواصلة العمل في مسعاه اليائس لتحسين تحصينات الحاكم السابق التركي عبد القادر باشا، وهو يعلم انها لن تغني عنه شيئاً، ولكنه كان يأمل في وصول نجدة بريطانية تنقذه من ورطته.. وهيهات! ومما سجله التاريخ والمؤرخون ان الخليفة عبد الله كان على قناعة تامة بعبقرية أبي قرجة العسكرية ومقدرته القيادية الفذة، وكان كثيراً ما يهرع اليه لسد الثغرات متبعاً في ذلك وصف الامام المهدي لأبي قرجة بأنه (مدبر المهدية). ومن المعلوم ان أمير البرين والبحرين لم يكن يهدأ له بال في تثبيت دعائم المهدية بعد رحيل قائدها ورمزها الامام المهدي، وتقلد فيها مسئوليات ومناصب رفيعة سياسية واقتصادية وادارية، وسعى في كل موقع تولاه لحث الناس على زيادة الانتاج، وعمل على فتح ابواب التجارة الخارجية مع دول الجوار، وحيثما تولى مسئولية في الخدمة المدنية عمل على بناء نظام محاسبي دقيق، ومما يبرهن على ذلك انه حدثت مناوشات في الشرق مما قلص تأثير قوات المهدية حول سواكن الى حد كبير، وذلك نتيجة لعدم الانسجام والتنسيق بين الفرق المختلفة، حيث ساد سوء تفاهم بين قبائل البجة من جهة والقبائل العربية من جهة اخرى.. ... « نواصل»