الاستاذ حسن نجيلة اسم علم في غير حاجة للتعريف، وهو من مواليد 1912م بمدينة سنجة في النيل الازرق، وترجع بعض جذور اسرته الى قرية (مورة) بالشمالية، وتلقى تعليمه بمدرسة سنجة الاولية ثم قسم العرفاء بكلية غردون حيث تخرج فيها عام 1931م، مبتدئاً حياته العملية كمدرس بالمرحلة الاولية، ومنها انتقل الى دار الكبابيش بشمال كردفان، ومن ثمار عمله هناك قام بالتوثيق لتجربته الثرة ولحياة قبيلة الكبابيش في حلها وترحالها عبر كتابه الشهير «ذكرياتي في البادية» . كان استاذنا الراحل من قادة مؤتمر الخريجين العام بمدينة ود مدني وأتاح له عمله كمدرس نشر آراء وافكار المؤتمر، واستطاع ان يكون العديد من لجان المؤتمر في مدن كثيرة، وكان على صلة وثيقة بأدباء مصر وعلى رأسهم عباس محمود العقاد. بدأ الاستاذ حسن نجيلة عمله الصحفي بمشاركات منذ ان كان طالباً بكلية غردون، وفي عام 1948م عمل كصحفي في وظيفة محرر بجريدة (الرأى العام) التى كان يحرر فيها عموداً يومياً، وبعد تأميم الصحف عمل بجريدة الصحافة (1969م) وحرر فيها عموده (خواطر)، وخلال هذه الفترة كتب في مجالات السياسة والأدب والعمل الوطني العام، وركز جهده بوجه خاص في توثيق مراحل تنامي الكفاح الوطني خلال فترة الاستعمار وحتى الاستقلال. وفي عام 1966م اصدر نجيله مجلة (القلم) الشهرية وكانت توزع في معظم الدول العربية، وشارك فيها من الكتاب العرب صفوة لامعة، وكان لها دور في ابراز جوانب الثقافة السودانية في فضاء الثقافة بالعالم العربي، كما اصدر خمسة كتب هى: ملامح من المجتمع السوداني (جزءان)، و(ذكرياتي في الاتحاد السوفيتي) وهو كتاب يتضمن انطباعات لمواطن عربي مسلم قادم من مجاهل افريقيا، الا ان بقية كتبه لا تتسم بهذه الانطباعية المندهشة فهو هنا (إبن بجدته) كما يقول شاعرنا الفحل التجاني يوسف بشير، وان كان (ذكرياتي في دار العروبة) هو اقرب الى ملاحظات السائح، مع ان الاستاذ نجيلة لم يفوت فرصة ملاحظة التشابه بين اللهجتين العاميتين في السودان (البادية) والشام، ولعل ما ادهشه بصورة ملحوظة هو كثرة المفردات المشتركة واسلوب الإمالة في اواخر المفردات مثل كلمة (أنا) التى ينطقها الريفيون والبداوة في السودان وكذلك الشوام بلفظ (اني) مع شدة في العامية السودانية ومدة في العامية الشامية..! أما (ذكرياتي في البادية) فهو عمل يمزج ما بين السيرة الذاتية و (التأملات) الأنثروبولوجية التى تلامس أحياناً سقف البحث العلمي كما في حديثه عن اصل الكبابيش وكذلك عن المقارنات التى اجراها بين عامية الكبابيش العربية واللغة العربية الكلاسيكية الفصحى من حيث المفردات. ولعل أكثر ما جذب القراء لهذا السفر القيم التجربة الذاتية للمؤلف حينما انتقل من عالم المدينة الى فضاء البادية في شمال كردفان على تخوم الصحراء، بكل العادات والتقاليد التى لم يألفها من قبل، الى جانبة حياة التنقل الملازمة لحياة الكبابيش بحثاً عن الماء والكلأ، وتلك الطقوس المدهشة التى يقوم بها البدو عند الشروع للرحيل، وعملية الرحيل نفسها، وكيفية الاستقرار في المكان الجديد، والطريقة المبتكرة التى ابدعها لتأسيس وتسيير مدرسته المستقرة حيناً والمتنقلة احياناً، فضلاً عن علاقاته الاجتماعية بافراد وجماعات القبيلة، وعلى راسهم شيخ القبيلة الشهير السير على التوم، بالاضافة الى علاقاته بزوار مضارب القبيلة من افاضل السودانيين ومشاهير الاداريين الانجليز، والكتاب فوق فوائده الجمة ممتع الى الدرجة التى كفلت له الصيت والذيوع حتى يومنا هذا..