وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو فخري الحاز المكارم جملة
نشر في السوداني يوم 09 - 11 - 2012

لم تخطئه عين استاذ الاجيال الاديب الراحل حسن نجيلة فكيف تخطئه عيني انه المعلم الكاتب رجل المجتمع والاسهامات الجليلة الاستاذ الراحل كرار ابراهيم فرح المشهور ( بأبي فخري ) والذي انتقل إلى رحاب ربه بدولة الامارات العربية المتحدة في 25 سبتمبر 2005م ، ونقل جثمانه للسودان ليوارى الثرى بمقابر دليل المحسي في مدينة الابيض في موكب تشييع مهيب انفطرت معه القلوب وكادت السماء لهول يومه أن تدمع . وشهادة للتاريخ أذكر بأنني حينما كنت طالبا بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ومنتسبا لرابطة دار الريح بالجامعة ذهبت برفقة بعض أعضاء الرابطة لزيارة الاستاذ حسن نجيلة بمنزله وكان الهدف من تلك الزيارة هو اقامة ندوة بالجامعة يتحدث فيها الاستاذ الكبير نجيلة عن ذكرياته في بادية الكبابيش والتي تقع في منطقة دار الريح بكردفان . واذكر من خلال الحوار الذي جري بيني وبينه عن ايامه الخالدة في دار العروبة ( بادية الكبابيش ) والتي أشاد بها الاستاذ حسن نجيلة وقال بأن تلك الايام تعتبر من أجمل أيام حياته إن لم تكن ربيع عمره بل ردد في صوت خافت قول الحكامة.
يا طبيق الريحة ** والريدة ليك صحيحة
وأنت كان جافيت ** كلمني بالنصيحة
كما قال الاستاذ نجيلة في معرض حديثه : ( بأن ما بدأه من جهد خالص في تعليم الرحل بتلك الفيافي والرهود والقلوع النائية أكمله بكل صدق واقتدار الاستاذ كرار ابراهيم فرح والذي جعل من مدرسة حمرة الشيخ المتنقلة التي افتتحها الأستاذ حسن نجيله في بواكير القرن الماضي جعل منها عدة مدارس شبه مستقرة في بادية الكبابيش بمناطق الكواهلة وكاجا وكتول في قري قمبر وعديد راحة وتنة والربدة والاندرابة وكجمر والحبيسة وغيرها من تلك المدارس بالمنطقة لقد كان الاستاذ كرار يهوي مناطق الشدة والصعاب ويمارس الظعن والمرحال مع البدو ولا يستغرب منه ذلك فهو سليل أسرة جل أهلها دعاة وعلماء ومعلمين باعتبارهم ينتمون للشيخ غلام الله بن عايد الركابي والذي جاء من جزيرة كاظمة بالعراق معرجا نحو اليمن القديم في منطقتي زيلع واللُحّية ولكن سرعان ما هاجر للسودان عن طريق جزيرتي ساكية ونواوه في طريقه للدقاديق بدنقلا العجوز كل ذلك كان بهدف تعليم القرآن والعلم وقال بأن ما زاده تقديرا للاستاذ كرار الدور الذي قام به والمتمثل في اقناع أولياء الامور في ذلك الريف القصي بضرورة تعليم البنات لذلك يعتبر المعلم كرار من رواد تعليم الرحل وايضا تعليم المرأة بالسودان ) . هذه الشهادة الصادقة من الاستاذ حسن نجيلة تؤكد علي الدور الطليعي للأستاذ كرار ابراهيم فرح خاصة فيما يتعلق بتعليم المرأة في البادية مما يضعه كأحد رواد تعليم المرأة الذي اضطلع به كما معلوم الشيخ بابكر بدري والذي اشاد به الشاعر الكبير محجوب شريف من خلال مفردات معبرة هن كالنجيمات الزواهر خاصة عندما تخرج تلك المفردات من جوف الاستاذ محمد عثمان الحلاج فتبدو حلوة الطعم والمذاق وهي تحي الشيخ بابكر بدري .
عصفوراتو عليك إتلمن ** كنت صباحن لمن تمن
درسن كتبن رسمن ثم أبتسمن ** سدن فرقة وورقة وطرقة وجذوة راي
ولد الراحل الاستاذ كرار ابراهيم فرح بدنقلا العجوز في عام 1933م وينتمي والده للركابية فرع الجارالاب كناية عن جدهم ( جار الله ود البشير ) وكما معلوم فإن الفضل في تأسيس القرآن بمملكة الدفار وبلاد الشايقية بل والعديد من الخلاوي في السودان يعود للشيخ غلام الله بن عايد ومن بعده ابناه ركاب ورباط ومن أشهر الأسر التي حملت القرآن والعلم في بلاد الشايقية أولاد جابر الاربعة ، وهم : ( ابراهيم البولاد وعبد الرحمن وعبد الرحيم واسماعيل ) وأختهم هي فاطمة المشهورة بجنيبة والدة الشيخ محمد صغيرون العودي ويري بعض الباحثين أن مدرسة غلام الله في دنقلا قد وضعت الكثير من مناهج تعليم القرآن والعلم بالمنطقة . لقد كان الشيخ محمد أحمد بن عايد المشهور في السودان بغلام الله عنوانا كبيرا باليمن ويكفي أن الاهازيج الشعبية للصبية بتلك المنطقة تناولت جوانبا من ذلك السفر الخالص والصبية يرددون بعفوية :
يا مطرة كبي لبن ** العايدروس دخل عدن
يا مطيرة صبي لبن ** محمد أحمد دخل عدن
العيدروس : هو لقب محمد أحمد بن عايد باليمن.
كما أن الراحل الأديب الشريف زين العابدين الهندي قد أثبت للشيخ غلام الله وأحفاده من بعده الدور الاول في بناء الجامع وتعليم القرآن من خلال ما قاله في أوبريت سودانية :
سلام أولاد ركاب ** أول بناة الجامع
في تلك المنطقة الذاخرة بالعلم والقرآن ( دنقلا ) ولد الاستاذ كرار كما أشرنا وتشبع بالقيم الفاضلة التي أورثها له أجداده من لدن غلام الله وحتى جده جار الله ود البشير والذي تنتمي له مجموعة من الأخيار في بلادنا في مجال العلم والعمل الاجتماعي منهم علي سبيل المثال رجل الاعمال والقطب الهلالي ( الاستاذ طه علي البشير ) ، وهو ابن عم المرحوم الاستاذ كرار . غير أن من أبرز أبناء الجارالاب المنتمين للركابية هو الأديب السوداني والروائي العالمي المعروف محمد صالح ود البشير ( الطيب صالح ) وذلك حسب افادته الموثقة لدي ابن الاستاذ كرار ( فخري ) حيث أن مناطق الجارالاب في شمال السودان هي – العفاض ومنصور كتي وكرمكول ودنقلا العجوز – أما والدة الاستاذ كرار فهي الرسالة بت مضوي ود إدريس والذي يمت والدها بصلة القربي لود دوليب الكبير عميد أسرة ود دوليب علما بأن مضوي كان قد استقر لفترة في حي الركابية بأم درمان إبان الثورة المهدية وبعد كرري عاد لأهله بكردفان ، ويقال بأن الشيخ مضوي كان عارفا بمنازل النجوم ومطالعها في السفر بالدواب ليلا لذلك أسهم بالمشورة والرأي مع أهله في اختيار الموقع الحالي لحي الركابية ببارا ، حيث قال مضوي : _ ان هذا المكان فيه شجر السدر ومطلعه النجومي لذا فان من يقطنه سيوسع الله له في الرزق بإذن الله وبالفعل فقد صدقت نبوءته تلك وصار ذلك المكان موعودا بالخير كقول الشاعر ود عبيد الله :
فيه مكنة وفيه تربال ** فيه ماء النيل الزلال
سيدنا الحسن صلّح له الحال ** صورة من كسلا بلا خيال
لقد اتجه الشيخ مضوي لزراعة الخضر بمدينة بارا مشاركا لابن خالته المرحوم عبدالله يس والد عضو رأس الدولة السابق الراحل محمد الحسن عبدالله يس ولكنه سرعان ما عاد للإقامة مع أهله الدواليب بحي البكراوية بمدينة بارا .الجدير بالذكرأن أسرة ابراهيم فرح تتكون من : ( اسماعيل وابراهيم ومحمد وادريس وكرار ) بالاضافة لثلاث بنات هن : ( ست نور ونفيسة وزينب ) فيما تتكون أسرة الراحل كرار ابراهيم فرح من زوجته الراحلة - آمنة محمد فضل – وابنائه فخر الدين وهو دبلوماسي عمل سابقا بالخارجية بعد تخرجه بمرتبة الشرف الاولى من كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ، وثاني أبنائه هوالمهندس بحري سعد الدين والذي يعمل الآن مديرا فنيا بميناء صلالة بسلطنة عمان ، أما ضياء الدين فهو خريج كلية الزراعة بجامعة الاسكندرية ويعمل الآن في دبي ، وآخر العنقود من أبنائه هو سموأل الذي يعمل الآن مديرا إقليميا بشركة زين قطاع كردفان أما البنات فهن على التوالي الأستاذة اماني وهي محامية معروفة بالأبيض وتهاني خريجة جامعة عين شمس في مصر والمهندسة أمل خريجة كلية الزراعة جامعة الخرطوم وطالبة دكتوراة بجامعة ولاية نيويورك بالولايات المتحدة .
درس الأستاذ كرار بكتّاب بارا ( المدرسة الغربية ) ثم انتقل للمدرسة الوسطى والتحق بمعهد التربية ببخت الرضا بالدويم وبمعهد التربية في الدلنج ، ولظروف أسرته عمل في مهنة التدريس مع زملاء كثر منهم على سبيل المثال الأساتذة ( الراحل ميرغني عبدالرحمن يس ومكي الأعيسر وميرغني أدو ) وغيرهم من معلمي المدارس المجلسية والمرحلة الإبتدائية خاصة في مناطق الرُحّل ، وتدرج في مهنته حتى أصبح موجها تربويا ، وعمل مديرا لعدد من المدارس في أرياف كردفان حتي وصل للدرجة الثالثة القيادية بتعليم كردفان ، وعمل نحو عقدين ونيّف من الزمان متنقلا في ديار الكبابيش ، حيث أنشأ العديد من المدارس الريفية التابعة للمجالس والمراكز ، وقام بترفيع المدارس القائمة من مجلسية ( ثلاث سنوات ) إلى إبتدائية كاملة بمعنى ( اربع سنوات ) ، ومن ابرز تلك المدارس مدرسة ( تنّة ) التي كانت زادا للرحل نهلوا من معينه وعلمه ، كما كان له قصب السبق في المبادرة بتشجيع الأهالي علي إلحاق بناتهم بالتعليم وسط بيئة قبلية آنذاك لم تكن ترى في التعليم فائدة ، بل تفضّل عليه رعي الماشية .
وبالتالي تدرج الاستاذ كرار في سلك التدريس متنقلا في أرياف وبوادي دار الريح ومن خلال تلك الرفقة المأمونة عرف تاريخ وتراث تلك المنطقة والذي كان محورا للتناول من خلال مقالاته بالصحف ممهورا بتوقيع ( أبو فخري ) ، وعندما تم نقله في نهاية الستينات من القرن الماضي إلى ريفي جبرة الشيخ في مناطق الاندرابة والحبيسة والربدة كان في صحبته الاستاذ ابراهيم أحمد أبو علامة شقيق التاجر بالابيض اسماعيل أبو علامة وهما أصلا من المسلمية ، ولان الاستاذ ابراهيم كان شاعرا فذا وشابا في مقتبل العمر مزهوا بمهنته كمعلم حينما كان للمعلم صيت وصدى كبير في المدن والبوادي . فمن تلك الربوع كتب الأستاذ أبو علامة قصيدة رائعة لحنها الشاعر الكردفاني ادريس التني وشدون بها الثلاثي الكردفاني ( عجوبة وآمال ومنال ) ثم غناها الفنان سيف الجامعة وهي أغنية ( الخرزة والحريرة )
ليلة ليلة ليلة ** يمة داير السيرة
الحنة والضريرة ** الخرزة والحريرة
في الفريق براي ** مافي زول معاي
بحكي في هواي ** لي أبو وجيها آية
الخدود مراية ** انشاالله أجيكم يمة
معاهو يتم منايا
ويقال والعهدة على الراوي أن الاستاذ كرار قال لزميله المعلم أبو علامة ( أنا ما معاك يا راجل ) فرد الاستاذ أبو علامة بقوله : ( لو ما معاي كنت جنيت ! ) . كما ارتبط الاستاذ كرار بزعماء تلك المناطق وأعيانها ومواطنيها والذين قاسمهم شظف العيش وسعى لخدمتهم بكل السبل وما زال اسمه محفورا في ذاكرتهم حيث لم تنقطع صلته معهم .وكذلك للاستاذ كرار جهود واسهامات في التنمية الريفية خاصة وأنه كان عصاميا وشفافا طابعه الصدق والأمانة وديدنه ومنهاجه مواصلة الناس في الافراح والأتراح ، ويؤكد ذلك انشاؤه للنادي الرياضي الاجتماعي بتنة ، إلى جانب مساهمته في التنمية الريفية للمنطقة وبالعون الذاتي حيث أنشا طاحونة وطوّر نقطة الغيار بمساعدة المساعد الطبي حسن مهدي وأقام جمعية تعاونية كما أقام مزرعة تعاونية لزراعة الخضروات مستفيدا من معارفه التربوية التي اكتسبها من كورس بخت الرضا فضلا عن كونه من منطقة مشهورة بالسواقي وهي منطقة بارا لذلك نقل فكرة الزراعة بالسواقي من بارا إلى تنة . وطوال عمله بالتدريس كان شعلة من العمل الوطني اذ انخرط في الحركة الوطنية في وقت باكر وسجّل التاريخ له أنه قاد مع آخرين أول مظاهرة ضد الاستعمار ببارا وحينها كان عمره لم يتجاوز الثمانية عشرة عاما ، وانضم بعد ذلك للحركة الاتحادية التي كان يقودها الزعيم الخالد اسماعيل الازهري وأصبح سكرتيرا للعديد من لجان المؤتمر بمنطقة دار الريح ، فضلا عن أنه كان كاتبا صحفيا وصاحب رأي ثاقب وفكر حقيقي اذ كتب في العديد من الصحف مثل ( كردفان ) والتي كان مراسلا لها في دار الريح إلى جانب صحف أخرى ( كالصراحة والخرطوم والأيام وأخبار اليوم ) كما كان يحرر صفحة كاملة بعنوان ( ماذا في شمال كردفان؟ ) . ولأنه كان يتمتع بشخصية توفيقية متسامحة ورحابة صدر وسِعة أُفق وبعد نظر لذلك كان عضوا دائما في لجان الصلح الأهلي. ويذكر الناس دوما دوره العظيم في الصلح الذي كان بين المسيرية ودينكا نوك في عهد الرئيس نميري حيث ترأس لجان الصلح اللواء محمد الباقر أحمد ، وكان كرار أحد أعضاء لجنة الصلح والتي نجحت في رأب الصدع وجسرت ووطدت العلاقة بين ناظر المسيرية بابو نمر وسلطان الدينكا دينق مجوك ، كما كان له دور في حل النزاعات بين قبائل الأبالة خاصة الاشكال الذي كان بين الكبابيش والهواوير بسبب الحواكير والمرعي . وفي عهد الرئيس نميري كان يشغل منصب مساعد الأمين الاتحاد الاشتراكي ثم عضوا بالقيادة المركزية. ومن خلال تبوأه لذلك المنصب ساهم في وضع دستور السودان للعام 1973م وكان له شرف المشاركة في وضع لبنات عدد من المشاريع التنموية والوطنية منها ( طريق بارا الأبيض- مشروع كهرباء ومياه مدينة بارا- ونفير توصيل المياه لمدينة الابيض من حوض بارا الجوفي ) . وفي الجانب الاعلامي والصحافي كان الاستاذ كرار شعلة وهو يعمل في نفير الاذاعة والتلفزيون بالولاية.كما شغل العديد من المناصب الطوعية حيث كان رئيسا لاتحاد الكتاب والمراسلين بالولاية منذ تأسيسه وظل موضع ثقة الصحفيين وهو يقوم برأب الصدع بينهم .وعندما تم تأسيس اتحاد الكتاب والادباء بكردفان الكبرى انضم له وأصبح عضوا في مكتبه التنفيذي وأسهم في وضع الاساس لمجلس الآداب والفنون بالولاية في تكوينه الاول ، غير أن دوره في المجالس التربوية كان بارزا وجليا خاصة في مجالس محو الأمية وفي لجنة تشييد جامعة كردفان والتي أصبح عضوا في مجلس ادارتها .وفي الجانب الرياضي كان للاستاذ كرار دور عظيم ومجهود كبير ، فهو أولا من مؤسسي نادي بحري كردفان ببارا في الخمسينيات من القرن الماضي حيث أن ذلك النادي كان يوجد به العديد من المناشط الرياضية منها منشط التنس الأرضي ، كما كان لاعبا ماهرا بمنتخب مدينة بارا ولأنه كان هلالي الانتماء لذلك تقلد رئاسة نادي الهلال الأبيض وانتخب رئيسا لهيئة رعاية الناشئين بالولاية ثم رئيسا لاتحاد كرة القدم بمدينة الابيض لفترة من الزمان ، وقد نال المرحوم كرار العديد من الأوسمة والتكريم منها وسام الدستور للعام 1973م ووسام الجدارة في عام 1993م ، وتم تكريمه بلقب المعلم المثالي (من حكومة ولاية شمال كردفان ) وكرمته العديد من الفعاليات الشعبية في مناسبات مختلفة . وعندما توفي رثاه شعراء كردفان بالعديد من القصائد المعبرة والصادقة منهم الراحل قاسم عثمان بريمة وصديقاه الاستاذ الراحل عبدالرحمن صالح بانقا والشاعر المخضرم حسن حاج محمود . وفي الختام هذا قليل من كثير عن الاستاذ الراحل كرار ابراهيم فرح حياه الغمام والذي حاز المكارم جملة وكان كالنسمة بين رياحين الزيارة وحقا فإن وطننا شامخ والكل متدثر فيه بالعزة والكرامة ولو كان ذلك الشخص في حبل المشنقة فهو يردد كما ردد شاعر الدوبيت من داخل الزنزانة :
يا حمام الباك وريني الحكاية** الفي الضلام جالباك
مكميك مكمكك بي الانتكاية تكاك ** ضاق بيكا الصبر ولا الصباني صباك
رحم الله الاستاذ كرار ابراهيم فرح وانزل على قبره شآبيب الرحمة والمغفرة وجعل البركة في أهله وذريته وتلاميذه وأعماله الخالدة التي نأمل الا تنقطع عندما ينقطع كل عمل ابن آدم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.