وأما فاكهة كتب الاستاذ حسن نجيلة فهو (ملامح من المجتمع السوداني) بجزئيه، وهو يطوف بالقارئ من مغنى الى مغنى، سواء في مجالات الكفاح الوطني ضد المستعمر او مجالات الأدب والفنون المختلفة، ولعل من يقرأ الكتاب لأول مرة قد يفاجأ بما لم يكن في حساباته، ففي صفحة 73 (ج-1) وتحت عنوان (لون من الاسلوب العلمي) يجد تعليقاً كتبه احد طلاب كلية غردون على قصة شغلت الرأى العام آنذاك، وتاريخ كتابة التعليق هو 14 يونيو 1921م، نشر بتاريخ 16 يونيو 1921م في جريدة (حضارة السودان) التى كانت قد نشرت القصة المشار اليها وملخصها ان احد الأهالي نزل داخل بئر مهجورة بمدينة دنقلا فطال غيابه داخلها، فتبعه أخوه ثم آخرون تباعاً حتى بلغ العدد ثمانية لم يعد منهم الا واحداً ليخبر الجميع بأن كل الذين نزلوا الى قاع البئر أصبحوا جثثاً هامدة، وانتشر النبأ ولكن على اساس ان البئر مسكونة بالشياطين، وعند نشر النبأ بالصحيفة المذكورة شغل الرأى العام طويلاً الى ان تصدى لهذا الأمر ذلك الطالب بكلية غردون وجاء في مقاله تعليقاً على هذا الأمر « ان السبب هو اختناق أولئك المساكين بحمض الكربونيك، وهو غاز لا يخلو منه مكان، وجميع الكائنات تتنفسه بحركة الزفير في الهواء بنسبة اربعة اجزاء منه الى عشرة ألف جزء من الهواء، وهو ينتج من احتراق اى جسم يشتمل على الكربون، وهو غاز لا لون له ولا طعم ولا رائحة ولا يساعد على الاحتراق.. واذا تواجد مع الهواء في مكان رسب الى اسفل.. وهناك طرق شتى للحصول عليه ويستعمل في أغراض مخصوصة واذا وضع حيوان في حوض من ذاك الغاز، يشاهد له تضايق ثم تقف حركته ويعقب ذلك الموت، وكذلك اذا وضع في نفس الحوض مصباح او شمعة متقدة فإنها تنطفئ لإحتياجها كالإنسان الى الأوكسجين الذي يساعد على الاحتراق» ويمضي الطالب في مقالته ليشرح كيفية اختبار وجود الحمض في الآبار المهجورة، وكيفية تطهيرها منه بواسطة محلول الجير. وذلك الطالب النابه كان آنذاك هو (الطالب بكلية غردون إسماعيل الأزهري) وفيما بعد (الزعيم اسماعيل الأزهري) الذي قاد سفينة الحركة الوطنية حتى رست في مرمى الاستقلال.. والاستاذ حسن نجيله في كتاباته الغنية يعرف كيف يلتقط اللآلئ.. ألا رحم الله شيخنا واستاذنا حسن نجيلة وزعيمنا الأزهري بما قدماه لوطنهما ومواطنيهما كل في المضمار الذي اختاره للعطاء من اجل هذا الوطن الكبير.