الزعامة نوطٌ يمنحه الشعب... يمكن لأىّ لاعب سياسى أنْ يجدَ نفسه يوماً رئيسا لحزبه أو حتّى رئيساً للسودان، ومع ذلك لن يكون بوسعه تنصيب نفسه زعيماً! الزعيم اسماعيل الأزهرى مثالٌ لمن أشارت اصابعه إلى زعيم، فقد أنجبه رحم الشعب من سجّادة صوفية ودراسة عصريّة وايقاع عصرٍ تحرّرى... نالَ الأزهرى نوط الزعامة من تيّار شعبى مُتّقد وبديمقراطيّة فَطَرَ اللهُ السودانييّن عليها! سيرة الزعيم الأزهرى سيرة من التفوّق، كان أول الشهادة السودانية، وحاصلاً على بكالوريوس الآداب، ومدرّسا للرياضيات، ودارساً للعلوم الاقتصاديّة، وعارفاً فى الدين وعازفاً للموسيقى، ومُتحدثاً لَبِقَاً بالعربية والانجليزية، ومؤلفاً لكتاب (الطريق الى البرلمان)، وعندما كَتَبَ أوّل مقالاته الصحافية كان بعنوان: تأثير حمض الكربونيك فى اختناق ثلاثة من الأهالى داخل بئر فى دنقلا! نالَ الأزهرى نوط زعامته من الجماهير ولذلك سجّل مجداً لم يسجّله أحدٌ من بعده... فازَ انتخابيّاً فى دوائر الخريجين والدوائر الجغرافيّة، وكان أوّل رئيسٍ مُنتخب، وعضواً مؤسساً لحركة عدم الانحياز، وقاسماً مشتركاً أعظم فى حسابات السياسة السودانية وفى جدول ضرب السياسة المصرية! عاش الازهرى فى بيته الواحد موظفاً وسياسيّاً ورئيساً وزعيماً، ثمّ تبيّنَ أنّ منزله مرهونٌ فجاءَ جرس الدلالة ليعلن عن بيعه فى مزادٍ مفتوح فقام بشرائه أحد الوطنيّين ثمّ أعادَ إلى الزعيم منزله، وهى قصّة لا نعثر على نظيرها إلا فى سيرة الصحابة، لذلك فقصة منزل الأزهرى وحدها تثير اليوم أعصاب الكثيرين ممّنْ لم يعرفوا ملكيّة البيوت والبنايات إلا بعد أنْ عرفوا السياسة ومارسوها وارتكبوا آثامها! سيرة الزعيم الأزهرى لم يمحها الزمان فهى ممتدّة الصلاحية حتى زماننا السياسى الجارى الذى صارت فيه السياسة ادارة أعمال ورُخصة تجارة، وهو ما دفعَ الجماهير لمعاداة الحاضر والانحياز للماضى! قادتنى ذاكرتى الصحفيّة إلى أنّ هذا اليوم يلتقى بالذكرى الثالثة والأربعين لوفاة الزعيم الأزهرى الذى لو أُخْرِجَ من قبره اليوم يمكنه أنْ يفوز فى انتحابات رئاسة الجمهوريّة المُقبلة، ولو كان رمزه الإنتخابى القبر... سيكون الزعيم الأزهرى أوّل رئيسٍ ينتخبه شعبه من القبر إلى القصر!!