كثير من الأصدقاء توالت اتصالاتهم الهاتفية عليّ حال عودتي من المملكة المغربية الشقيقة، وتبدأ محادثاتهم - عادة - ب(حمدلله على السلامة) ، ثم يعرجون مباشرة للقصد والمبتغى، ليجيء السؤال المتوقع: (متين حتبدأ نشر المشاهدات والانطباعات عن الرحلة؟) فأرد ب(قريباً.. إن شاء الله). وتتولد أسئلة أخرى كثيرة لكنها تصب جميعها في جانب الرحلة السياسي وقد سألني - صراحة - أكثر من صديق ممن يهتمون بالسياسة والفكر، والذين ينتمون إلى مدارس سياسية وفكرية مختلفة، وربما تكاد تكون متناقضة، عن توجهات حكومة المغرب الحالية التي يرأسها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبدالإله بن كيران، وكيف لدولة سياحية ومنفتحة ذات حركة اقتصادية ترتبط بحركة الاقتصاد الأوربي - أولاً - ثم العالمي ثانياً، كيف لدولة مثل تلك أن تقبل حكم جماعة إسلامية لم تتخفَّ ولا أخفت لحاها، بل جاءت بتوجهات واضحة نحو (المرجعية) الإسلامية. وسألني البعض عن اللقاءات التي تمت بين وفد الصحافة العربية الذي زار المغرب مؤخراً، وبين عدد من المسؤولين هناك، وعلى رأسهم الأستاذ عبدالإله بن كيران، وكيف كان تقييمي وتقييم بقية أعضاء الوفد الصحفي لهم (!) أجبت على الجميع بأن (التفصيلات) قادمة، لكن الذي يجب أن يعرفه الناس أن حزب العدالة والتنمية لا يشكل الحكومة وحده، بل هو صاحب الأغلبية وسط أربعة أحزاب أخرى تحظى بالأكثرية داخل البرلمان المغربي، وقد نال هذا الحزب في انتخابات العام 2011م عدد مائة وسبعة مقاعد، يليه حزب الاستقلال - العريق - الذي نال ستين مقعداً، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار الحاصل على اثنين وخمسين مقعداً، فحزب الأصالة والمعاصرة، لتأتي بعد ذلك بقية الأحزاب مثل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب التقدم والاشتراكية وغيرها. التقينا برئيس الوزراء المغربي، في مكتبه داخل القصر الملكي بالرباط، بعد أن شهدنا جلسة برلمانية لمساءلة رئيس الحكومة تنعقد كل شهر مرتين، الأولى أمام مجلس النواب، والثانية أمام مجلس المستشارين، وهما يمثلان البرلمان المغربي. أهم ما قاله لنا السيد عبد الإله بن كيران إن حزبهم (العدالة والتنمية) لا ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، ولا علاقة تنظيمية تربطه بها، وإنه - أي الحزب - حركة إسلامية خاصة لا يهدف إلى أسلمة المجتمع المغربي، لأن المجتمع المغربي مسلم بطبيعة تكوينه، وقال إن الذين أدلوا بأصواتهم لصالح «العدالة والتنمية»،إنما أدلوا بها من أجل حل مشاكلهم الحياتية، وذلك لأن للحزب طروحات واضحة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية. الأحزاب الأربعة المتحالفة، تضم حزب العدالة والتنمية، والحركة الشعبية التي كانت جزءاً من ذات التنظيم السياسي فانشقت عنه، وتضم حزب الاستقلال، إضافة إلى الحزب الشيوعي الذي تطورت مفاهيم قيادته هناك، فطوّر فهمه وغير اسمه. نحن في السودان مازلنا نلعب في ساحات السياسة لعبة (الكديس والفأر) ولا يقبل أحدنا بالآخر، ونحاول إقصاء بعضنا البعض من ساحات العمل السياسي العام.. تتصارع الأفيال.. و.. تتحطم الحشائش التي لا ذنب لها في كل الذي يحدث.