وتجدر الاشارة الى ان من احدث المذكرات التى صدرت حديثاً كتاب « لمحات من تجارب رجل خدمة عامة من جيل الرواد السودانيين» وهو بقلم الرائد المكافح مأمون بحيري، ومن الذكريات التى يرويها فيه ان أول وزير مالية للحكومة الوطنية عام 1954م (الفترة الانتقالية) الاستاذ حماد توفيق قد كلفه بالذهاب الى رئيس الوزراء اسماعيل الازهري لتقديم تقرير عن سير المفاوضات مع قيادة الحاميات البريطانية التى كانت تقيم في ثكناتها في ضاحية بري بالخرطوم حول تسلم اصولها غير العسكرية، وكان رئيس الوزراء منهمكاً في عملية وضع الترتيبات الاخيرة لإجلاء القوات الاجنبية عن السودان، وقد رافقه المستر راو، وهو المراجع العام الأسبق للهند لتحية رئيس الوزراء الأزهري. وفي هذا الصدد يقول مأمون بحيري قبل دخولنا لمقابلة رئيس الوزراء فهمنا انا والمستر راو ان بعض القيادات العسكرية السودانية كانت قلقة حول الترتيبات النهائية لاجلاء القوات، فاندفعوا بتسرع وفحصوا الاصول غير العسكرية، ووصل الامر لدرجة حجزهم بعض المكاتب بينما كانت المفاوضات تسير الى الامام، وفي هذه المقابلة طلب راو السماح له ببعض الكلمات، فقال مخاطباً رئيس الوزراء الذي كان يشغل ايضاً منصب وزير الداخلية: « ضباط الجيش يجب ان يعلموا، ويظهروا القبول بتحكم التنظيم السياسي المدني، وهذه كانت واحدة من اعتباراتنا الرئيسية في الهند عندما حصلنا على الاستقلال، واذا لم يحدث هذا الامر سيأتي يوم يجدون فيه التحدي والجرأة ليلقوا بك ووزرائك في السجون».. والواقع الذي صدقته هذه النبوءة لانعلق عليه!. وختاماً لابد لنا من الاشارة الى مركز مأمون بحيري للدراسات والبحوث الاقتصادية في افريقيا، والذي أنشئ تخليداً لذكرى العالم الاقتصادي السوداني الرائد، وقد تأسس المركز بمبادرة ودعم من اصدقاء الراحل واسرته وتلاميذه، بالاضافة الى هبات مالية سخية من مؤسسات عامة وخاصة داخل وخارج السودان، وهو مؤسسة افريقية مستقلة غير حكومية وغير ربحية، تعمل في مجال البحث والتدريب كمركز للجودة لتشجيع وتعزيز ورعاية البحوث والدراسات المتعمقة في المجالات ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في افريقيا، ومقر المركز هو الخرطوم.. الا رحم الله الفقيد العالم مأمون بحيري بقدر ما قدم لبلاده السودان ولقارته الافريقية في اكثر المجالات حيوية .. اللهم آمين.