التشابه بين الراحل المهندس والشاعر والفنان الوطني خليل فرح في السودان، وبين الفنان الموسيقار الراحل سيد درويش في مصر، وهو من مواليد الإسكندريةالمدينة السياحية التي تقع علي شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمال مصر، ومن أغنياته الشهيرة زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة- وبلدي يا بلدي أنا بدي أروح بلدي. التشابه الأول الذي يجمع العملاقين التقاؤهما في الحس الوطني والارتقاء بالعمل الموسيقي الموجه لخدمة وطنيهما. التشابه الثاني مولد كل منهم في شمال بلده. التشابه الثالث الظرف والوقت الذي عاشا فيه بكفاحهم بالغناء والموسيقي ضد المستعمر البريطاني الذي كان جاثماً على أرض مصر والسودان في ذلك الزمان. التشابه الرابع توقيت وزمان رحيلهما المبكر. توفي سيد درويش في أواخر العشرينات عن عمر 32 عاماً، بعد أن أيقظ الروح الوطنية في شعب مصر عبر موسيقاه وألحانه الشهيرة. وتوفي خليل فرح في أوائل الثلاثينات عن عمر لا يتعدي الأربعين كثيراً، أثرى فيها السودان بالكلمة الرصينة والنغم الأصيل. التشابه الخامس التفاف القيادات السياسية في مصر والسودان حولهما بعد ثورة عرابي عام 1919م بقيادة سعد زغلول في مصر، وقيادة مؤتمر الخريجين في السودان، والذي كان للخليل شأن كبير فيه، وكان الوقود المحرك للحركة الوطنية بأغنياته الوطنية الملهبة. ولد خليل فرح بقرية صاي قلب مناطق المحس بشمال السودان، تلقى تعليمه بين حلفا وأم درمان واستقرت أسرته بحي أبو رؤف بأم درمان، ثم التحق بكلية غردون التذكارية جامعة الخرطوم حالياً، درس فيها هندسة الاتصالات، وبعد تخرجه عمل مهندساً بدار الهاتف بالخرطوم. اشتهر الخليل بحبه الجارف لوطنه السودان وصاغ فيه أجمل أشعاره التي تغني بها وأصبحت من الموروثات الوطنية التي تتبادلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وكانت وقوداً للحركة الوطنية في نضالها ضد المستعمر حتي نالت البلاد استقلالها . ومن روائعه الخالدات: عزة في هواك- وماهو عارف قدمه المفارق- وفي الضواحي وطرف المداين- نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل.. وغيرها من روائعه الوطنية العديدة. وجميعها تشير للوطن العزيز بلغة فيها العامية والفصحى التي تعبر وترمز في مضمونها للخلاص من المستعمر. لقد رحل الخليل في عمر الشباب بمستشفي النهر بالخرطوم في منتصف نهار أحد الأيام في أوائل ثلاثينات القرن الماضي، وتلقي النبأ الحزين حينها صديقه المناضل الراحل خضر حمد بعد تحركه من مقر عمله بالمالية، ومعه بعض أصدقائه لزيارته بالمستشفي- حسب ما جاء في كتابه الشهير- والذي أفرد مساحة في أحد فصوله للحديث عن الشاعر والفنان خليل فرح، لقد تسبب نفس الداء الذي مات به خليل فرح أن يموت به الشاعر الفذ التجاني يوسف بشير وفي نفس العمر. وكذلك شاعر الأغاني الشهير المرحوم مصطفي بطران ابن حلة حمد بالخرطوم بحري وصاحب أجمل الأغاني العاطفية: دمعة الشوق كبي ويا حديقة البلدية ألفين سلام وتحية، والتي لحنها وغناها في الثلاثينيات ابن حيه الموسيقار الراحل إسماعيل عبد المعين، إلى جانب الأغنية الشهيرة: أطرد الأحلام يا جميل وأصحي أرح نقضي الليل في ضفاف النيل ننشد الفسحة والتشابه الآخر بينهما الشاعر والتونسي أبي القاسم الشابي، والذي تزامن رحيله في نفس التوقيت ونفس العمر وهو الذي يحفظ كثير من السودانيين معظم قصائده كقصيدة: عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد التي لحنها وغناها الفنان الراحل حسن سليمان «الهاوي» في منتصف الخمسينيات. وقد رحلوا وتركوا إرثاً رائعاً سيظل باقياً مفخرة ومنارة سامقة لشعوبهم.