هذا هو عنوان المعجم الذي أصدر منه مجمع اللغة العربية بالخرطوم الجزء الأول، حرف الهمزة، ويقع في (312) صفحة، من القطع المتوسط، وهو مفتاح إصدارته، وكما يقال أول الغيث قطرة ثم ينهمر، ولعله كذلك أول إسهام سوداني في مجال معاجم اللغة العربية الفصيحة، وللمرء أن يتساءل ما فائدة هذا المعجم وماذا يضيف للغة العربية والمعاجم كثيرة؟ والإجابة عن ذلك إنه بالرغم من كثرة المعاجم فإن اللغة متجددة وتحتاج إلى متابعة، وكذلك فإن الأساليب متنوعة، وفي كل يوم يأتي أمر جديد فلابد من المتابعة والرصد والوضع. يتميز هذا المعجم باشتماله على مجموعة من الكلمات العامية السودانية التي تتطابق مع نظائرها من كلمات اللغة الفصيحة، وفي ذلك تقريب بين العامية واللغة الفصحى، كما يتميز بالوضوح والإيجاز وبالفهارس العديدة التي تعين الباحث والقارئ على سرعة الحصول على ما يريد، وقد قام على إعداد المعجم بتوجيه من رئيس المجمع أ.د. علي أحمد بابكر نخبة من الأساتذة الجامعيين، بإشراف المرحوم أ.د. بابكر البدوي دشين، ثم حمل الراية من بعده شيخ العربية أ.د. يوسف الخليفة أبوبكر رئيس دائرة المعاجم والمصطلحات بمجمع اللغة العربية، يعاونه نفر كريم من أساتذة الجامعات المتخصصين في اللغة العربية ومجموعة من الباحثين، ولاشك أن المعجم يقدم خدمة كبيرة للعربية، فهو يعين الباحثين، وطلاب العلم، والقراء على معرفة الكلمات التي تند عنهم، فمهما بلغ المرء من العلم والمعرفة فهو عرضة للنسيان، وقد تغيب عنه معرفة بعض الكلمات مهما أوتى من علم، فاللغة كما يقال لا يحيط بها إلا نبي، فالإنسان في حاجة إلى معجم يفزع إليه عند الحاجة، ويرجع إليه عند الضرورة عندما تستعصى عليه كلمة أو عبارة؛ فالمعجم أستاذ دائم يصاحب الإنسان في ليله ونهاره، ويكون وفق رغبته. والمعاجم كما نعلم نشأت في حضارتنا الإسلامية منذ زمن مبكر، وكان الدافع- كما هو الدافع لنشأة معظم العلوم الإسلامية- هو القرآن الكريم، فقد جاءت في القرآن بعض الكلمات التي تحتاج إلى شرح، وكان الصحابة يسعون لفهم القرآن، وكان لسيدنا عبد اللًّه بن عباس رضى الله عنهما القدح المعلى في تفسير غريب القرآن الكريم موضحاً له، مستعيناً بالشعر العربي في ذلك، ومسائله مع نافع بن الأزرق مشهورة منها: سأل نافع بن الأزرق سيدنا عبد اللًّه قائلاً: يابن عباس أخبرني عن قول اللًّه عز وجل (لا ريب فيه) البقرة«2» قال: لا شك إنه جاء من عند اللًّه- يعني القرآن- قال: هل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم ، أما سمعت عبد اللًّه بن الزبعري يقول: ليس في الحق يا أمامة ريب إنما الريب ما يقول الكذوب وهكذا أجاب أبن العباس رضى اللًّه عنهما عن العديد من مسائل نافع الأزرق. وقد تطور الأمر ودعت الحاجة إلى ضبط القرآن، فوضع النحو، وقام العلماء بجمع اللغة العربية من البوادي، مثل ما صنع أبو عمرو بن العلاء والأصمعي، والخليل بن أحمد، والكسائي.. وغيرهم. وابتدأ التاليف المعجمي بوضع كتب في موضوعات معينة، تتصل بجمع الألفاظ المتعلقة بموضوع واحد، مثل كتاب الخيل والإبل للأصمعي، وكتاب المطر لابن دريد.. الخ، ولكن هذه الكتب يصعب الاستفادة منها ويتعسر استخراج الكلمات، وإذا أراد الإنسان البحث عن كلمة معينة، فقد يجدها في أول الكتاب وقد تكون في آخره أو وسطه، إلى أن جاء عبقري العرب: الخليل بن أحمد وألف معجم العين، ورتبه على مخارج الحروف بدأ بحرف العين، وكان له الفضل والريادة في هذا المجال، وكان الخليل ذا عقلية رياضية، فأراد أن يحصي اللغة فجاء بنظرية التقليب، فكان يقلب المادة ويبين الكلمات التي يمكن أن تأتي منها، فمثلاً إذا كانت الكلمة مكونة من حرفين مثل: الباء واللام فإنه يأتي منها تركيبان هما: بل ولب، وإذا كانت الكلمة مكونة من ثلاثة أحرف مثلاً (حرف الباء، وحرف الراء، وحرف الضاد) فإنه يأتي منها ستة تراكيب : ضرب، رضب، ربض، برض، بضر، وإذا كانت الكلمة مكونة من أربعة أحرف يأتي منها أربعة وعشرون تركيباً مثل: عقرب، وعقبر، وعربق، عبقر، عبرق، وهكذا الحال مع بقية حروف الكلمة، وإذا كانت مكونة من خمسة أحرف فإنه يأتي منها مائة وخمسة وعشرون تركيباً، وفي كل ذلك ينص الخليل على المستعمل منها والمهمل. وتطور الأمر، فقد وجد العلماء صعوبة في تراكيب الخليل، إذ قل من يعرف مخارج الحروف والتقليب، لذلك ألغوا التقليب ورتبوا المواد على حروف الهجاء، لكنهم جعلوا الترتيب لأصل المادة، فجردوها من الزائد وجعلوا الترتيب بحسب القافية، فمثلاً كلمة استغفر تكون في مادة غفر باب الراء فصل الغين وهكذا، كما في لسان العرب والقاموس المحيط، ثم تطور الأمر فجعلوا الترتيب بحسب الحرف الأول في الكلمة بعد تجريدها كما هو في أساس البلاغة للزمخشري والمنجد والمعجم الوسيط، أما المعاجم الحديثة فتسهيلاً للبحث جعلت هذا الترتيب بحسب أول الكلمة دون النظر إلى جذورها؛ فكلمة استغفر نجدها في باب الهمزة وليس في مادة غفر. وفي الختام نحمد لمجمع اللغة العربية هذا الجهد لنشر العربية، ونسأل الله أن يوفقه للمزيد.