دلالات كثيرة وأبعاد تحملها أول زيارة للرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ توليه السلطة والثانية له حيث إن الأولى كانت في العام 2008 إبان حملته الانتخابية، والمتتبع للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية يجدها تعيش حالة من الشد والجذب خاصة بعد فوز الديمقراطيين بالحكم ويعد الجمهوريون النصير الرئيسي لإسرائيل ويبدو أن أوباما يريد أن يطمئن الإسرائيليين باعتبار أنهم أكبر )لوبي) في أمريكا حيث قال في خطابه في مطار تل أبيب: إن أمريكا فخورة بعلاقاتها بإسرائيل وإنها علاقة غير قابلة للإنفصام، واصفاً إياها بأعظم صديق وأقوى حليف، ورغم أن النظر بالعين المجردة يجعل الكثيرين يتخوفون من مثل هذه الزيارة إلا أن خوفهم قد لا يكون في محله، فإسرائيل التي تعتقد أن مثل هذه الزيارات قد تزيدها قوة وتجبراً في المنطقة هي نفسها تخشى من أبعاد هذه الزيارة، فأوباما المنتخب من الديمقراطيين الذين ينظرون للقضية الفلسطينية الإسرائيلية بعين مختلفة يحاول أن يضع خطوطاً عريضة لإسرائيل للسير عليها حتى لا تعتقد أن بإمكانها معاداة كل الدول من حولها، الشيء الذي يفقد أمريكا بعض حلفائها في المنطقة وهذا الشيء تؤكده دلالات كثيرة أولها أن إسرائيل وضعت أجندة للمباحثات التي تتضمنها الزيارة ورتبتها كالآتي: أولاً الملف النووي الإيراني.. ثانياً الأوضاع في سوريا.. ثم أخيراً المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، بينما وضعت أمريكا البند الأخير في الأجندة الإسرائيلية أولاً ثم إيران وسوريا بعده، ويجب أن نضع في الاعتبار أن هذا الترتيب له دلالات لإسرائيل أيضاً، حيث إن أمريكا يمكن أن تنظر بطريقة أخرى. د. عبد الوهاب الطيب البشير الباحث والخبير في الشؤون الدولية قال إن لهذه الزيارة أبعاداً كثيرة أولها زيارة الرؤساء الأمريكان لإسرائيل فهي تتخذ أبعاداً سياسية خاصة على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي لكلا الدولتين، فزيارة رئيس أمريكي لإسرائيل يعني لها الكثير والمهم والخطير ومنذ العام 1948 زار (5) رؤساء أمريكيين إسرائيل.. ريتشارد نيكسون- جيمي كارتر وجورج بوش مرتين وكلينتون 4 مرات وأوباما مرة واحدة وأخرى كانت قبل انتخابه وبعد 5 سنوات زارها للمرة الثانية ليؤكد أن زيارة الرؤساء مسألة عزيزة وغالية وأبعادها تكون على النحو التالي: أولاً بعد محلي داخل كل دولة منهما، فبالنسبة للبعد الداخلي في أمريكا تأتي في إطار المصالحة وإبراز العلاقات بين الحزب الديمقراطي وإسرائيل لأن إسرائيل دعمت المرشح الجمهوري الشيء الذي أحدث توتراً في العلاقات بين إسرائيل وأمريكا إلى درجة ظهرت فيها بعض الآراء والأصوات في الحكومة الأمريكية بالذات من داخل الحزب الديمقراطي تقول إن إسرائيل أصبحت عبئاً على الأمن القومي الأمريكي في مناطق الشرق الأوسط وبعض دول أوربا وشرق آسيا وأفريقيا مما يعني أن هناك اتجاهاً للانفتاح في العلاقات بين الدولتين بالإضافة إلى أن هذه الزيارة تؤثر على جماعة اللوبي الصهيوني مع الحكومة الأمريكية وكذلك على الإستراتيجيات الأمريكية مع الإسرائيلية في سياستها الخارجية. أما بالنسبة للبعد الداخلي الإسرائيلي فإن تأثير الزيارة قد أحدث صدى واسعاً بأبعاد مختلفة عكسته تحليلات وآراء الصحف الإسرائيلية مثل «جور شالتين بوست وإسرائيل هيرليد» التي ذهبت إلى أن الزيارة تؤكد علاقة الشعب اليهودي بأرض الميعاد التي يعود تمسكهم بها منذ 3 آلاف سنة وهي رمزية لأحقية إقامة الدولة اليهودية. ويواصل د. عبد الوهاب قائلاً ولكن في نفس السياق تشير تصريحات أوباما لأهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة تؤكد أن أوباما يسير على ذهنية الرؤساء الديمقراطيين فيما يتعلق بمسألة السلام بالمنطقة، وهذا ما يرفضه الإسرائيليون خاصة المتشددين وعليه فقد عكست الزيارة مؤشراً واضحاً بأن الاحتلال قد يؤثر على الولاياتالمتحدة شعباً وعلاقات وأن أمريكا ستتضرر مصالحها الحيوية في منطقة الشرق الأوسط التي فيها إسرائيل بسبب ما تقوم به الدولة الصهيونية مع الفلسطينيين كبيئة محلية ومع بعض دول الجوار الإسرائيلي يجعل أمريكا مرفوضة في هذه المنطقة، وعليه فإن زيارة أوباما قد تأتي في إطار تحضير الرأي العام الإسرائيلي للعمل ضد سياسة نتنياهو في الشأن الفلسطيني وهنا تكمن خطورة حاضر ومستقبل المآلات في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وعلى الصعيد الإقليمي للزيارة وأبعادها وإسقاطاتها عليه، يقول د. عبد الوهاب إن زيارة أوباما تأتي في بيئة إقليمية محفوفة بالتوترات والتغييرات والتحولات بنقل محركات بركان الثورات العربية وتغير «أحجار الشطرنج» مواقع النظم السياسية في الدول العربية وتغير خارطة العلاقات الدولية بالمنطقة، الزيارة ومن خلال تركيز أوباما على الشأن الفلسطيني والنووي الإيراني أرسلت رسالة واضحة لبداية أمريكا بالاهتمام بمصالحها بالمنطقة في دول الطوق الإسرائيلي خاصة مصر وسوريا، ودول خلف الطوق إيران والعراق وتركيا والسودان وليبيا واليمن، وعاد عبد الوهاب وقال إن الزيارة في مجملها تركيز وإعادة ترتيب للدول الحليفة والمناوئة لأمريكا بالمنطقة خاصة السعودية ومصر وكتلة الخليج العربي وسوريا، وعليه فإن أهم مدلولات الزيارة أنها تعتبر «تيروميتر» لقياس مسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولقياس العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية والإسرائيلية الشرق أوسطية، وقال إن ما يؤكد ذلك هو ما أشارت إليه بعض الصحف الإسرائيلية وهو ارتفاع شعبية الرئيس أوباما إلى 35% بين الشعب الإسرائيلي بعد الزيارة، وهنا يجب أن يطرح سؤال هو كم كانت شعبية أوباما قبل الزيارة؟ وفيما يتعلق بالملف الإسرائيلي الفلسطيني فإن موقف الحكومة الأمريكية ربما جعل نتنياهو وحكومته الإسرائيلية يتقبلان سياسات وإستراتيجيات أمريكا في ما يتعلق بمسار ملف السلام في الشرق الأوسط، ويؤكد حقيقة أن رؤساء أمريكا بالحزب الديمقراطي خارجياً كانوا قادة لعملية السلام على عكس الجمهوريين الذين يميلون للحرب والتوتر بالمنطقة. وواصل عبد الوهاب قائلاً خلاصة القول إن زيارة أوباما مؤشر لبداية جادة وحقيقية لدخول أمريكا في مسرح قضايا الشرق الأوسط على مستوى رئيسي خاصة وأن زيارة أوباما سبقتها زيارة لوزير خارجيته شملت مصر والسعودية والإمارات وقطر، وزيارة أوباما لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومن خلال خارطة تحرك الرئيس ووزير خارجيته تؤكد حرص أمريكا في إدارة ملفاتها ومصالح أمنها القومي على مستوى مسؤولين كبار رئيس ووزير خارجية، ومن المتوقع أن تكون هناك زيارات متعددة لمسؤولين أمريكان لأنها مرتبطة بثلاثة مستويات في الأمن القومي أولها الأمن القومي الإسرائيلي والأمريكي والشرق الأوسط المقسم على النحو التالي: الخليج والبحر الأحمر والمتوسط وهنا يمكن الأخذ في الاعتبار الدول الموجودة في هذه الأماكن الثلاث وحجم وخطورة الحروب والنزاعات والثورات الموجودة والمتوقعة، وقال عبد الوهاب إن زيارة أوباما محط اهتمام جميع دول وأقاليم المنطقة لما لها من ترتيبات ومآلات تضع كل دول المنطقة وقضاياها الصعبة في توازنات حرجة فيما يتعلق بالتحركات الأمريكية الإسرائيلية والسودان ليس بعيداً عنها. إذن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليست كلها خير لإسرائيل فهي قد تؤثر سلباً عليها وعلى تحركاتها اللامحدودة في المنطقة العربية والأفريقية.. الأيام القليلة القادمة ستظهر نتائج هذه الزيارة وأبعادها الخفية.