دكتور نبيل عبدالفتاح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشار المركز العربي، والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية في حوار استثنائي مع(آخر لحظة) التي انتهزت فرصة زيارته للسودان تلبية لدعوة من مركز فيصل الثقافي لتقديم ندوة سياسية.. فالتقته وطرحت عليه العديد من الأسئلة الراهنة حول مستقبل العلاقات السودانية المصرية، وعلاقة جماعة الأخوان المسلمين بمصر والحركة الإسلامية السودانية، والمشهد السياسي العربي عقب ثورات الربيع والتداعيات التي مازالت مستمرة في تلك الدول العربية، وأفق المستقبل أمام الأجيال الجديدة التي قادت الثورات ضد أنظمتها السابقة.. وعلى متن الحوار كانت قراءة المستشار والمحلل السياسي دكتور نبيل عبد الفتاح فالى مضابط الحوار: حدثنا عن مستقبل العلاقات السودانية المصرية في ظل التغيرات السياسية التي حدثت في مصر بعد الثورة ووجود الكثير من القضايا التي تحتاج الى معالجات في أصل العلاقة؟ - هناك قدر ما من التحسن على مستوى العلاقات العامة مابين السودان ومصر، ولكنه جزئي، ويظهر فقط على مستوى خطاب التهدئة بين قادة النظام الجدد في مصر وبين القيادة السودانية، ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد استراتيجيات فاعلة لتطوير هذه العلاقات على مستوى الدولة وأجهزتها على مستوى البلدين باستثناءات محدودة، رغم وجود العديد من المشاكل التي تشكل عقبات أساسية متراكمة هي عوائق أمام مسار الدولتين إذا لم تحل، ومن ناحية أخرى اعتقد أن هناك غياباً من قيادتي الدولتين من بلورة تصور جديد من العلاقات، يتجاوز الأطر الرسمية والتراكمات التي تكونت عبر المسار التاريخي قبل الثورة المصرية الأخيرة، وكذلك أرى أن هذه العلاقات- وللأسف الشديد- مشكلاتها كامنة في هذا النمط السياسي الأحادي والذي يركز على الدولة وأجهزتها والأحزاب القائدة في كلا البلدين منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة، وتتحسن العلاقات عندما يكون هناك قدر من التشابه بين النظاميين.. مقاطعاً... والآن هناك نظامان متشابهان في الدولتين من ناحية الأيدولوجية الإسلامية هل هذا يفتح أفقاً جديداً للتعاون؟ - المسألة هنا ليست في القرب أو المشابهة الايدولوجية فقط رغم وجودها كعامل مشترك يمكن الاستفادة منه في العلاقة، لكن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، فحتى هذه اللحظة النظام الجديد في مصر غير مستقر، ويفتقر الكثير من القادمين الجدد للسلطة الى الكثير من المهارات السياسية والخبرات، لأنهم جاءوا من ظاهرة موت السياسة في مصر طيلة أكثر من ستين عاماً مضت، فأثر ذلك بهؤلاء أساساً، ومعهم أيضاً الأطياف السياسية الأخرى التي كانت تمارس بعض الأدوار في إطار الدولة التسلطية وفي إطار سلطاته التي وسمت بذات السمت، ومن ثم نستطيع أن نقول إن إدارة كلا النظامين في الدولتين في تطوراتهم السياسية المتعاقبة وانقلاباتهم المختلفة هي تعبير عن اختزال علاقات مركبة وعميقة بين بلدين شقيقين وبين شعبين يوجد بينهما الكثير من التداخل البشري والاجتماعي وأنا أتصور أن محاولة استبعاد الشعبيين والمنظمات غير الحكومية في أن تلعب دوراً في العلاقات السودانية المصرية وهذا ناتج عن بعض الطبائع التسلطية لدى كل القيادات عبر مسار هذه القيادات منذ الاستقلال.. أما القادمون الجدد- فكما قلت وأشرت- ليست المسألة فقط في عدم وجود الخبرات السياسية هم والآخرون في المعارضة المصرية، بل هي متعلقة بعدم معرفتهم للتركيبة السودانية وأعماقها الدفينة على صعيد تعقيد وغنى هذه التركيبة السودانية.. وبالتالي هذا عائق يتصل بالإدراك والفهم لطبيعة السودانيين ومكانتهم الافريقية والعربية، ومن ثم هذا الإدراك السالب والذي يحاول البعض تغطيته- حتى من القادمين الجدد الى السلطة- ببعض الشعارات الايدولوجية كالإسلام السياسي في التطبيقات، لن يعني شيئاً ولن يؤثر تأثيراً كبيراً على مسار العلاقات على الصعيد الشعبي، ومن ثم أحد أهم ما ينبغي أن تنبني عليه هذه العلاقة بين الطرفين، هو ضرورة الانتقال من المستويات الرسمية الى المستويات غير الرسمية، وكذلك ضرورة اشتراك الأطياف السياسية الأخرى في بناء صياغة جديدة للعلاقات بين البلدين الشقيقين، لأن الاستبعادات غالباً ما تؤدي الى افتقار هذه العلاقات، والنقطة الثانية أن استبعاد الأطراف السياسية الأخرى يعني أن موقف المغالبة في صياغة قرارات السياسة الخارجية وتوجهاتها يخضع فقط للحظة آنية أو لحظة انتخابية أو للحظة لا تمتد في التاريخ، ومن ثم لا تؤسس لعلاقات وثيقة في العمق تعكس تاريخ هذه العلاقات وتداخلاتها.. كيف تنظر الى تركيبة الأخوان المسلمين في السودان ومصر وهل هنالك تشابه أم اختلافات وما هي أفق التعاون بينهم وهل هذا في مصلحة البلدين؟ - هم متشابهون كما يبدو أن في الظاهر ايدولوجيا، ولكن هناك اختلافات في طبيعة تركيبة جماعة الاخوان المسلمين في مصر والحركة الإسلامية السودانية والتي بدأت كجماعة للأخوان المسلمين وتطورت الى الحركة الإسلامية في مسماها الأخير... وذلك فيما يتصل بالخبرة في إدارة الدولة، وبالثقافة السياسية خاصة لدى الحركة الإسلامية في السودان، والتي تبدو الخبرة العملية السياسية أكثر عمقاً من تجربة الاخوان في مصر، وذلك للعديد من الاعتبارات.. فالحركة الإسلامية السودانية نشأت كجزء من بيئة سياسية كانت تتمتع في بعض الأحيان بقدر من الانفتاح على قوى المعارضات السياسية الأخرى على اختلاف أطيافها، بالإضافة الى وجود مؤسسة السيدين الطائفتين وتجلياتهم الحزبية والسياسية، وهما الأمة والاتحادي.. ومن ناحية أخرى التعدد في التركيبة السودانية قام ببعض من الإثراء النسبي في بناء تصورات وثقافة وفكر بعض الإسلاميين السودانيين من القيادات ولا نستطيع أن نعمم، ولكن على الأقل بعض الآباء المؤسسين وهم يتجاوزون في خبراتهم وثقافتهم وأفكارهم السياسية نظرائهم في الحركة الإسلامية المصرية، وما نراه الآن في مصر ضعفا في فهم الدولة وطبيعتها وثقافة الدولة وخبراتها، ورأس مال الخبرات المتصلة بالدولة ضعيف لدى الإسلاميين بمصر والمستلمين للسلطة، وبالتالي أخطاؤهم الآن فادحة في تطور الدولة، بل يؤدون الى بث تناقضات فيها، والى خلق ازدواجيات بينهم وبين الدولة المصرية العتيدة، وهذا سوف يزيد من التناقضات والتناحرات في المرحلة القادمة، بما يؤثر على ثباتهم واستقرارهم في سدة السلطة، ولعلك تراقب وتشاهد التداعيات التي تحدث يومياً في الشارع المصري وحالة الاحتقان السياسي كدليل على ما اتحدث عنه.. وهم يختصرون مثلهم مثل بعض الإسلاميين في العالم العربي الدولة في السلطة، وهذا استمرارا لذات التقاليد السلطوية التي سادت منذ23 يوليو 1953م ومازالت مستمرة على أيدي الإسلاميين.. ومن ناحية أخرى هذا الفهم القاصر إذا استمر اتصور أنهم سوف يؤثرون تأثيراً بالغ السلبية على بني الدولة القومية في مصر، ويدفع الى مزيد من عدم الاستقرار وربما الى استبعادهم عن السلطة عبر صناديق الاقتراع التي جاءت بهم في المرة القادمة.. مقاطعاً.. لكن وصولهم جاء عبر ذات الصناديق التي قلت إنهم سوف يستبعدون بواسطتها أليس هذه هي الديمقراطية التي ينادي بها الجميع؟ - نعم هذا صحيح، وهو سؤال جيد لكن أنا أشير هنا الى نقطة اختزال واختصار المسألة الديمقراطية والشرعية في جزيئة صناديق الاقتراع الاجرائية بكل مايشوبها من ثقافة عرفت بمصر باسم ثقافة تزوير الانتخابات، ورشوة الجماعة الناخبة للفئات الفقيرة والمحتاجة في العديد من المناطق في مصر، أمر يجعل من الآليات الانتخابية مسألة إجرائية محضة لا تعكس اي توجهات ديمقراطية ولا تعكس القيم والإدراكات الديمقراطية حول الدولة أوالنظام السياسي أو علاقات الدولة مع المواطنين، وظهر ذلك جلياً في الطريقة التي تعامل بها الإسلاميون المصريون السلفيين والأخوان المصريين، وكذلك أيضاً من الجماعات الإسلامية الأخرى الراديكالية التي راجعت مواقفها، وثم شكلت أحزاباً النظرة الأدائية للقانون والدستور والدولة، وهذا أمر يعكس استمرار الفقر في الفكر والفقه الذي يسير هؤلاء في التعاطي مع مسألة الدولة الحديثة والمعاصرة ومن ثمة يستمرون في نفس المشكلات باعتبار أن هذه المنظومات من الأدوات التي يحققون بها مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأيضاً الاستمرار في ذات السياسات الاقتصادية القديمة التي تعكس التوجه النيو ليبرالي البالغ المحافظة والذي يفتقد الى الوجه الإنساني والذي يتمثل في ضمور السياسات الاجتماعية في بلد معصور، وتعيش أغلبيته في مستويات حول خط الفقر وما وراء خط الفقر، وكل ذلك يشكل قنابل موقوتة لانفجارات اجتماعية، سوف تؤثر على الدولة وفعاليتها وتؤثر على الفكرة الإسلامية ذاتها لأنها لأول مرة تخرج من الحضانات السرية والستر السياسي بكل مواريثهم وتأثيراتهم الى الانكشاف والعلانية، وبالتالي ذلك يضع هذه الأفكار التي شكلت بعضاً من الألق والجاذبية لفئات اجتماعية، رأت إعطاء الفرصة للفكرة الإسلامية السياسية في الحكم رغم أنها لم تشارك مشاركة فعالة ومحورية في الانتفاضة الشعبية أو التي عرفت بالعملية الثورية في 25 يناير 2011م، ودخلوا الى دائرتها بعد سقوط المنظومة الأمنية، هذه الفكرة الآن في اختبار بالغ الأهمية والخطورة وإذا لم يتعامل الجميع برشد- وهو ما لم نراه على الصعيد السياسي حتى هذه اللحظة في طريقة أجهزة الدولة والنظام الذي ورثوه باعتباره سلطة في هذه الحالة- سوف يؤثر تأثيراً سلبياً على الفكرة الإسلامية وغالباً سوف ينتقل الى الدول العربية التي صعد فيها تيار إسلامي في السلطة.. لكن إذا نظرنا للمثل من هذا الاتجاه الناقد لوصول الإسلاميين للسلطة بطريقة ديمقراطية، لماذا لا يصبر الليبراليون المعارضون عليهم وفق شروط اللعبة السياسية الديمقراطية ويمارسون الآن ممانعة سياسية ضد الحكومة المنتخبة؟ - صحيح ما ذهبت إليه، ولكن القضية هنا ليست قضية ليبراليين، ولكنها قضية دولة بعد ثورة تحتاج الى إعادة بناء جديد غير مستعجل، وأن الليبراليين غير حقيقيين في مصر، وأما يقال عن عملية الممانعة السياسية فهي لعبة مصطلحات لا تنطبق على الحالة المصرية، بل لا توجد ممانعة سياسية في مصر، وهذا التعبير استخدم في إطار العلاقات العربية العربية، ولا يجوز استخدامه واستعارته من هذا المجال الرسمي لنظم تسلطية، وهذه تعبيرات غير دقيقة وهي تستخدم في سجالات هجائية وليست علمية سياسية، وكل هذا يوضح أنها قضية مختصرة ومبسترة وتعكس عجزاً عن فهم طبيعة العملية الانتفاضية الثورية التي حدثت في مصر، والتي تم فيها استبعاد كافة العناصر التي قامت بها، والآن المشكلة المصرية السياسية ليست في مشكلة أحزاب المعارضة ورفضها للحكومة الحالية، ولكن المشكلة بين كليهما- الحكومة والمعارضة- تجاهلهما للأجيال الجديدة الشابة التي صنعت الانتفاضة الشعبية، وحتى أن الأجيال التي قامت بالانتفاضة والأجيال المتعاقبة لا ترى في الطرفين تعبيراً عن العملية الثورية التي قاموا بها ضد الحكم السابق المتسلط.. هناك من يقول إن الوقت غير كافٍ للحكم على قيادة الإسلاميين للحكم وصعودهم في البلاد التي قامت فيها ثورات للربيع العربي واعتبرهم فشلوا في الحكم ما هو رأيك؟ - لا أعتقد... لأن من يمتلك الرؤية والخطط للحكام يمكنه فوراً التنفيذ ولا يحتاج الى وقت أكثر، وهو يمارس السياسة، وهذا ما يظهر حتى هذه اللحظة لكل من استلم السلطة من الإسلاميين في البلاد التي قامت فيها الانتفاضات الشعبية والتي سميت بثورات ربيع عربي، ويتجلى ذلك في حالة الصراع والانفلات السياسي وعدم وضوح رؤية وبرامج اصلاحية لها، وظهر ذلك جلياً في عدم بناء قواسم مشتركة متجلية في وضع وثيقة دستورية وممارسة سياسية راشدة، لأن الشاهد الآن أن ممارسة الرئيس المصري المنتخب باتت أكثر خطورة وانتاجاً للأزمة السياسية في كل مرة، أو قرار يصدره وكأنه يعيد انتاج الأزمة والنظام التسلطي الذي كان قائماً منذ 1952م بمعنى أنه يستخدم القوانين والدساتير بطريقة غير ديمقراطية لا يتيحها له لا تاريخ التقاليد الدستورية المصرية ولا المبادىء للدساتير الدولية، والمقارنة.. وهنا يسجل أعمالاً مادية تفتقر الى المشروعية الدستورية.. هل تعني أن الأخوان المسلمين في مصر لم يكونوا مستعدين للحكم ؟ - نعم.. لأنهم مفاجأة ولأنهم وقفوا ضد عملية انتفاضة الشعب المصري في بدايتها، وهذا أمر موثق قولاً وكتابة وتصويراً، ولا يستطيع أحد أن ينكره أو يجادل فيه.. لذلك نلاحظ هذا التخبط السياسي الحادث الآن في المشهد السياسي المصري.. أنت سميت ما حدث في مصر وبعض البلاد العربية بالانتفاضات الشعبية هل هي لم تصل الى المرحلة الثورية وما الفرق؟ - هناك فرق كبير.. فالثورات تعني تغييراً بنيوياً في بنية الملكية وتوزيعاتها وفي تركيبة الدولة ونظامها السياسي، وذلك عبر التغيير الشامل، لكن ما حدث حتى الآن هو مجرد تغيير شعبي محدود حتى هذه اللحظة، وأيضاً حتى هذا لا يعنى أن الأفق الثوري بات مسدوداً.. إذن لماذا حدثت هذه الهزات السياسية في بعض البلاد العربية ونجت منها دول أخرى؟ - لكل منها أسبابها وخصوصياتها، وهناك قضايا مشتركة في مجتمعاتها ساهمت في حدوث هذه الانتفاضات الشعبية ذات الطابع الثوري منها قضايا الحريات والفساد السلطوي والفقر والقهر والكرامة الإنسانية بالنسبة للأجيال الشابة، والتي شكلت جزءاً من عملية الرفض العام، ودفعتهم للتحرك عبر الوسائل الحديثة من التقنيات، ونجحت في استخدام الشبكات الالكترونية من نقل الاحتجاج الرقمي الى الاحتجاج الفعلي في الشوارع، مما أدى الى حدوث الهزات والانتفاضات، وأصبحت ثقافة سياسة وطموحاً يتسم بروح الديمقراطية والبحث عن الحقوق، التي تمثلت في الاحتجاجات السلمية والوقفات المطلبية للأجيال.. أما البلاد التي لم تحدث فيها، فظروفها مختلفة وإن تشابهت بعض المعطيات في ظاهرة الفساد والتسلط، لكنها وضعت لنفسها برامج إصلاحية وتغيرات استطاعت تحييد الشارع ولو الى حين حتى الآن، وإن كان هناك تملل من قوى المعارضة في تلك البلاد أو بين شبابها... وصفت الحالة السياسية العربية بمرض الشيخوخة السياسية ماذا تعني بذلك ؟ - مازالت الجالية السياسية العربية تعاني من هذا المرض، وهو الشيخوخة السياسية الناتجة عن سيطرة كبار القيادات في كل من البلاد العربية على مقاليد الحكم، والأمور في قلب ورأس الدولة وسلطاتها وامتداد هذه الشيخوخة الجيلية والسياسية الى غالبية مؤسسات الدولة.. فالعالم العربي بتعمد الإزاحات الممنهجة للأجيال الجديدة الشابة من أن تأخذ المواقع الجديرة بها بناءاً على الكفاءة والموهبة والمواكبة العصرية، ولكن للأسف الشديد هذا الجمود والتكلس في هياكل الدولة، وعدم تجددها وجمود في النخبة وشيخوختها أدى الى ظاهرة الشيخوخة السياسية والتي رأيناها في الحالة المصرية على سبيل المثال، والحالة التونسية واعتقد أنها ممتدة في البلاد العربية الأخرى، كما هو واضح للمراقب السياسي واعتقد أيضاً أن المختبر المصري الآن إذا ما ساهم بشكل ديمقراطي على تطوير الديمقراطية في مصر سوف يؤثر بشكل كبير على بقية الأوضاع في غالبية النماذج العربية، بما فيها النماذج التي تعتقد أنها راسخة القدم، هذا عن حالة الشيخوخة السياسية المتمترسة بالسلطة السؤال أين حظ الجيل الجديد في مستقبل السياسة العربية؟ - دعني أقول لك بصريح العبارة شاء البعض أم أبى من شيوخ النظم العربية الشائهة في العالم العربي، والتي مازالت تتسم بالشمولية، والتي تقهر شعوبها وتقهر الأجيال الشابة وأن مصائرها مرتبطة بالأجيال الجديدة الصاعدة في مصر وفي تونس، وفى أكثر من بلد عربي واعتقد أن المستقبل للأجيال الجديدة، لأنهم سوف يؤثرون تأثيراً كبيراً في أحداث التغيير شاء البعض أم أبى.. بالنسبة الى المحيط الدولي والاقليمي حول العالم العربي هل تعتقد أنه أعد كل هذه السيناريوهات وفقاً لنظرية الفوضى الخلاقة أم أن ما حدث هو حقيقي لحالات انفجار لاحتقانات شعبية في البلاد العربية؟ - هذا غير صحيح، مما يتردد عن نظرية الفوضى الخلاقة، وتدخُل الولاياتالمتحدة فيما يحدث، وترتيبها لذلك أعتقد أن ما يردد هذا الحديث في التحليلات السياسية الإعلامية يردد حديثاً سخيفاً ويسوق لنظرية المؤامرة التي أصبحت تبلل الأفكار.. إن ما حدث في البلاد العربية لم يكن متوقعاً حتى للدوائر الاستخباراتية الأمريكية، فما حدث هو نتاج تراكمي طويل لحالات احتقان شعبي انفجرت في لحظة ما، وتواصلت حتى وصلت الى مافيه إلا في تونس ومصر وليبيا واليمن، وما يحدث الآن في سوريا وهو تعبير للإرادة الإنسانية والسعي للتغيير لنظم أصابها الفساد، والشيخوخة السياسية، والجمود عبر الزمن، وأن هذه النظرية عن المؤامرة مازالت تستخدمها بقايا النظم الشمولية وأجهزتها الاستخباراتية والايدولوجية وفي نفس الوقت بعض الذين وقعوا تحت خدر مرض المقاعد الوثيرة في السلطة من المنتفعين بها.. إذن السؤال أين دور النخب الثقافية في توعية الجمهور من هذه المفاهيم الخاطئة وهل تم تجييرهم من قبل السلطات الشمولية ليكونوا أبواقاً لها؟ - هذا حقيقي هناك دور ناقص لبعض النخب الثقافية والمستنيرة، ولكنهم في بعض الدول وليس جميعهم وهم فقدوا أنفسهم قبل أن يفقدوا جمهورهم ومواطنيهم من حيث التوعية، ونشر المعرفة، والإرداك الحقيقي لدورهم من خلال علاقتهم مع السلطان، وهم هنا فقدوا سلطة المثقف وتحولوا الى خدم السلطان، وبوق لهم كما ذكرت، وجيروا لهم أعمالهم وفقاً لأيدولوجيتهم، ولكن هناك أيضاً من وقف من المثقفين ضد هؤلاء وضد السلطان. ودفعوا الثمن حياتهم والبعض حريته، ودخلوا المعتقلات من أجل آرائهم الحرة، ودفاعاً عن حقهم وعن قول الحقيقة وفقاً ما يرونه وأيضاً العلميات الثورية والانتفاضات الشعبية في مصر هي تواصل للجهد الذي بدأته منذ السبعينيات في مصر من المثقفين، وتراكم كل ذلك عبر السنوات في تواصل الأجيال المثقفة للأفكار الحرة التي مهرت في كتاباتهم وكلماتهم، وساهمت في تفكيك الأفكار عن الدولة المتسلطة، ودفع الثمن في ذلك مواجهتها، وساهم في نشوء بيئة نقدية للنظام الذي اتسم بالفساد، مما دفع بجيل الثمانينيات والتسعينيات الذي تشكل حركات شبابية ثقافية سياسية، ظهر منها 6 ابريل حركة كفاية وكلنا خالد سعيد وغيرها من الحركات الثقافية الشبابية عبر المواقع الاجتماعية الافتراضية، والتي سرعان ما انتقلت من العالم الافتراضي الى الواقعي لتحدث الانتفاضات والثورة التي عرفناها، وكل هذا كان نتاجاً لحالة من التراكمات في الخبرة السياسية، التي سمحت بأن يكون الجميع في قلب العملية الانتفاضية الثورية في 25 يناير 2011م بميدان التحرير في مصر..!!