وأواصل مؤتمري «الشعبي».. الموجه أصلاً وحصرياً لجماهير شعبي.. وخاصة المنهكين.. المتعبين.. المسلوبة حقوقهم وإرادتهم.. هؤلاء الذين يسارون النجم في الظلم.. ليس مناجاة لأحبة.. ولا «ونسة» مع خيال المحبوب.. ولا احتفاءً واحتفالاً بروعة ضياء واستدارة قمر.. فقط لأنّّ كل هذه وتلك قد تركها المواطن السوداني خلف ظهره بعد أن ضاعت تلك الأيام المبهرة.. وغادر الديار ذاك الزمان الماسي والزاهي.. إنه يساري النجم في الظلم.. هماً وتسهيداً.. تفكيراً في أعباء ، بل عبء شروق الشمس عندما تهطل طلبات الزوجة والأبناء كالمطر.. طلبات وقية شاي وربع رطل سكر.. ومصاريف مدارس.. و«حق» مواصلات.. أواصل مؤتمري الشعبي الذي هو إنعكاس مشع لمؤتمر الاستاذ علي عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية.. اليوم يا أحبة.. دعوني أبدي لكم ملاحظةً سطعت كما شمس الظهيرة في خط الاستواء.. وهي أن الأستاذ علي عثمان لم يتحدث ولو تلميحاً عن «الشريعة» تلك التي يبدأ بها كلّ «الإخوان» أحاديثهم وتنويرهم ولقاءاتهم.. في المؤتمرات الصحفية.. أما في اللّقاءات الجماهيرية.. فإن أمرهم عجب.. وعندما تهدر حناجر جماهيرهم في المؤتمر الوطني والهتاف يشق الفضاء.. هنا تجتاح المتحدث هوجة هائلة يرفع «العصاية» أو «الأصبع» أعلى من رأسه كثيراً ثم يهتف.. هي لله.. هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه.. ونحن غير المنضوين تحت راية المؤتمر الوطني ننظر ونشاهد ونستغرب.. ونتعجب.. فها هي السلطة حاضرة.. والحراسة «يقظة» والكاميرات موجودة.. وها هو الجاه ينطق بلغة عربية مبينة.. تحدّثنا نيابة عنه.. تلك الملابس المترفة البيضاء كشخب الحليب.. وها هي الأجساد مرتوية وها هو «العزّ» يُعلن عن نفسه بجلاء.. ولكن الأستاذ علي عثمان تحدّث عن كل شيء.. وفي أي شيء.. ابتداء من «مشكلة».. أو قل معضلة.. الإجابة على الاسئلة التي تدوّي في الأفق.. هل يواصل الرئيس رحلة الحكم.. واذا كانت الإجابة لا.. من الذي يخلف الرئيس.. ثم طوّف على مد الأيدي للمعارضة.. ثم عبر على زورق نهر الاقتصاد.. واجتاز كبرى مكافحة الفساد ولكنه لم يتحدث عن الشريعة.. ليس زهداً فيها.. ولكن الرجل أدرك أن زمان المزايدات بشرع الله قد انقضى.. وولّى.. وصدى حديث يجلجل في الأفق والذي انطلق من أعلى نقطة.. بل من أعلى قمة في الوطن.. أنه «تاني ما في شريعة مدغمسة» ومولانا أستاذ علي يعلم قبل غيره وأكثر من غيره أنّ شرع الله المطهّر.. الذي اكتمل ديناً وأتم نعمةً لا يحتمل حذف نقطة واحدة ولا إضافة شولة مهما صغرت.. والرجل انتصر لنفسه بل ربحها وكأنه يجسّد قول السيد المسيح «ماذا يفيد المرء إذا ربح العالم كلّّه وخسر نفسه.. ؟» والرجل أدرك أنّ تلك السنوات الثلاث وعشرين المنصرمة لم تكن تطبيقاً لشرع الله المطهّر.. بل هي وفي أحسن حالاتها أمنيات وأحلام بإقامة شرع الله أو التمهيد لإقامة شرع الله ذاك الحق.. الذي لا يُظلم فيه أحدً.. وكل «الكلام» ده تمهيد للّذي نودّ أن نقوله.. نعم لم يكن شرعاً مشى على أرض الوطن.. وإلا لما وصلت البلاد إلى هذه المرحلة المخيفة المروّعة.. ولأننا الآن نخوض في حياض الدّين.. دعونا نعود إلى تلك الأمسيات الزواهر.. وتلك الأيام الجواهر.. ونحن «نتكرّف» عطر «يثرب» والخليفة العادل أمير المؤمنين عمر يشيح بوجهه غاضباً وكأنه لا يحتمل رؤية وجه أحد عامة المسلمين الذي كان قد قتل أخاه بالخطأ.. ثم يبلغ الغضب بأمير المؤمنين مداه ليقول للرجل «والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم» لم يفزع الرجل ولم يرتعد.. قال لأمير المؤمنين في بسالة ورباط جأش.. «ولكن هل ينقص ذلك من حقّي شيئاً؟؟» الرجل هنا يسأل عن حقوقه كمواطن بل قل كفردٍ من أفراد الرعية.. هنا أجاب أمير المؤمنين في كلماتٍٍ خلّدها التاريخ.. لا والله لا ينقص من حقك شيئاً.. هنا تهلّلت أسارير الرجل وقال سعيداً مطمئناً..« اذاً لا بأس والحمد لله إنما تأسى على الحب النساء».. وهنا نسأل الأحبة في الإنقاذ.. لماذا نقصت حقوق المواطنين من غير «الإخوان» رغم أنهم لم يقتلوا أحداً بل لم يجرحوا أحداً.. لماذا قصفت رقابهم مقصلةُ الصالح العام.. فتشرّّدوا في المنافي.. وتبعثروا في الفيافي.. وسالت دماؤهم بسيف التمكين.؟؟ هذا حديثنا غداً.. وكيف هي هدية ساقها الله لمولانا الأستاذ علي عثمان. بكرة نتلاقى...