عدت إلى مصر بعد أسبوع أمضيته في السودان تلبية لطلب محكمة الخرطوم شمال المختصة بقضايا الصحافة لحضوري جلسة النطق بالحكم في القضية المرفوعة من قبل ملاك و إدارة مستشفي الزيتونة ضد الزميلة «الوطن» وضدي بسبب «الإضاءة» التي علقت فيها على خبر «الوطن» الذي كشف عن بيع شاب سوداني كليته لسيدة سعودية لقاء «مقابل مادي»، كما أكد الحكم الذي أدان مع ذلك المتهمين- وكنت رابعهم - ب «التشهير» في حق الزيتونة ومالكها، وأوقع علينا غرامة تقاضتها المحكمة قبل تسريحنا، لن نعلق على الحكم، سلباً أو إيجاباً، فقد تعلمنا هنا في مصر حيث تدور معارك قانونية بشكل يومي منذ إنتصار ثورة الخامس والعشرين من يناير عبارة حفظناها عن ظهر قلب من رجال القانون وفقهائه أن «الحكم عنوان الحقيقة» ولا يجوز التعليق عليه إلا من خلال طعن قضائي لدى هيئة أعلى. üعدت إلى مصر فوجدت الساحة مشتعلة بجدالات قانونية على الفضائيات وصفحات الصحف حول العديد من القضايا بين الخصوم السياسيين، من أبرزها قضية النائب العام الجديد طلعت عبد الله الذي عينه الرئيس مرسي بعد عزل النائب العام عبد المجيد محمود بالمخالفة للقانون والدستور، كما يقول المعارضون، وفعلاً حكمت المحكمة ببطلان العزل والتعيين، بالإضافة إلى قضية ضرائب آل سويرس ومنعهم من السفر، وقضايا ضحايا بورسعيد الذين سقطوا خلال المواجهات التي انفجرت في أعقاب صدور حكم محكمة في مذبحة مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي وغيرها كثير.. لكن القضية التي تهمنا لأغراض هذه «الإضاءة» هي الوضعية القانونية «لجماعة الإخوان المسلمين» التي أصبح ذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة حاكماً للبلاد منذ فوز الرئيس محمد مرسي بالانتخابات في 30 يونيو من العام الماضي، فبعد إقرار الدستور والإستفتاء عليه أصبح من حق كل «جمعية أهلية» أو دعوية أو جمعية مجتمع مدني أن تسجل بالإخطار فقط، فبادرت «جماعة الإخوان» إلى تسجيل نفسها عبر هذا الإخطار، بعد أن طالها الحل على مدى عشرات السنين أكثر من مرة منذ حكومة النقراشي عام 1948، ومرة أخرى على عهد عبد الناصر 1952م، أثر محاولة إغتياله في حادث المنشية بالإسكندرية، حيث كان يلقي خطاباً جماهيرياً أعلن خلاله تأميم قناة السويس فغدت «جماعة محظورة» قانوناً، وباءت كل محاولات تقنين أوضاعها بالفشل في عهد المرشدين عمر التلمساني، ومحمد حامد أبو النصر، وتعاملت معها أجهزة الدولة «كمنظمة سرية» تداهم إجتماعتها وتعتقل قادتها وكوادرها كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً، حتي قامت الثورة وحررت الجماعة وسمحت لها بالعمل من خلال حزب الحرية والعدالة، الذي أسسته والذي أحرز أكثرية في انتخابات مجلسي الشعب «المحلول» والشورى الذي استمر في العمل بالرغم من بطلان القانون الذي إنتخب على أساسه مع مجلس الشعب وفق حكم المحكمة الدستورية العليا، الذي قضي بعوار ذلك القانون الذي سمح للأحزاب بترشيح منسوبيها على الدوائر الفردية بدلاً من الإقتصار على القوائم . ü الجماعة ،«للمخارجة» من المأزق القانوني سجلت نفسها- كما سبقت الإشارة- كجمعية أهلية، فأصبح أسمها الرسمي «جمعية الأخوان» و اختارت أحد طوابق مبنى «الجماعة» في حي المقطم مقراً لها، وهو المبنى الذي يعرف بمكتب أو مركز الإرشاد، حيث تسير قادة الجماعة برئاسة المرشد العام محمد بديع شؤون الجماعة ويوجهون حزبهم «الحرية والعدالة» في إدارة شؤون البلاد بعامة.. وقد تحول هذا المقر خلال الأسابيع الماضية إلى هدف لتظاهرات معادية من قبل نشطاء الثورة وبعض أحزاب المعارضة وقعت خلالها صدامات عنيفة بين شباب الأخوان الذين تصدوا للمتظاهرين بالرغم من وجود الحراسات الأمنية الكثيفة حول المقر، مقر «الجماعة» المحظورة ، و«الجمعية» المُرخصة و المُسجلة والمعترف بها قانوناً. ü الصراع السياسي الدائر في مصر حالياً، أصبح كثيراً ما يتخذ أشكالاً قانونية، فيتوسل السياسيون بالقانون لنيل أهدافهم السياسية، من أجل حظر مخالفيهم أو على الأقل تعطيلهم أوالتضييق عليهم، وبالرغم أن الأصل في المبادئ الدستورية وفوق الدستورية هو «الإباحة» فإن جماعة الإخوان كثيراً ما وجدت نفسها في حرج قانوني بالغ جراء الإتهامات التي طالتها بتكوين أجنحة مسلحة أومليشيات، كما كان الحال على أيام المرشد المؤسس حسن البنا، وما أصبح يعرف في أدبيات الإخوان و الإعلام ب « النظام الخاص» الذي نسبت له عدداً من الإغتيالات والتعديات والتفجيرات قبل وبعد ثورة 23 يوليو، وهو ما حرم الجماعة التمتع بأصل الإباحة، ومكّن خصومها في الدولة والمجتمع من النيل منها وتصنيفها «جماعة إرهابية» محظورة، حتى كانت الثورة وكان الدستور الذي مكنها من تسجيل نفسها ك «جمعية» وليست «جماعة» بالرغم من استمرار الأخيرة بدون سند قانوني. ü مشكلة «الجماعة» الآن تكمن في «الإقرار الخاص» الذي وقعه مؤسسو «الجمعية»- جمعية الأخوان- عند التأسيس بعدم ممارسة أي عمل سياسي، وفقاً لقانون الجمعيات الأهلية رقم ( 84 ) لسنة 2002، الذي يحظر أن يكون من بين أغراض الجمعية أي نشاط سياسي تمارسه الأحزاب، لهذا طالب محمد عصمت السادات -أبن أخ الرئيس السابق- رئيس حزب الإصلاح والتنمية عضو الإتحاد العام للجمعيات الأهلية الحكومة، ووزارة الشؤون الإجتماعية بالقيام بدورها، وتطبيق القانون علي «جمعية الإخوان» وقال في تصريحات منشورة إن الجماعة والوزارة تتعاملان بمبدأ «البلد بلدنا والدفاتر دفاترنا والقانون في أجازة»، ولكن بعض موظفي الوزارة تنصلوا عن مسؤوليتهم تجاه اجتماعات «مكتب إرشاد الجماعة» التي تتم بالمبنى وقالوا إن الترخيص الذي حصلت عليه «جمعية الإخوان» يشير إلى أحد طوابق المبنى كمقر للجمعية ولا علاقة للوزارة بالإجتماعات أو الأنشطة السياسية التي تجري في بقية المبنى الذي لا يخضع لمراقبتها. ü ومع ذلك، كشفت صحيفة «المصري اليوم» أن وزيرة الشؤون الإجتماعية د . نجوى خليل قد طلبت من المستشار القانوني للوزارة إعداد مذكرة عاجلة تتضمن الترخيص الذي حصلت عليه الجمعية والإقرار الذي وقعه مؤسسوها، لتقديمها إلى الدائرة الأولي بمحكمة القضاء الإداري، والتي تنظر قضايا «حل الجماعة» وإخلاء مقارها في الجلسة المقررة في 23 إبريل الحالي.. أما الأستاذ محمد حسنين هيكل شيخ الصحافة المصرية والعربية فقد قال في حوار له مع المذيعة لميس الحديدي في فضائية «سي بي سي» رداً على سؤال عن «الجمعية» التي قالت «الجماعة» إنها قننت بها أوضاعها، قال: أعتقد إن الخطوة زادت من الإلتباس، وأصبحت لدينا الآن الجمعية والجماعة والحزب، ثم السلطة أيضاً، وأعتقد أنه يجب «إزالة هذا الإلتباس». ü لم يقل الأستاذ هيكل كيف يمكن إزالة هذا الإلتباس ولم يحدد الوسائل اللازمة لتلك الإزالة.. وهي عندي ممكنة بالعودة إلى أصل الأشياء الذي هو الإباحة، وفقاً لمبادئ دستورية مصرية وفوق دستورية دولية، أصبحت بمثابة أعراف وتقاليد في النظم التي تعتمد الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع وجوهها منهجاً للحياة السياسية، فيخرج الجميع إلى النور ويعملون فوق الأرض وفق النظم والقوانين المرعية، عندها لن يكون هناك لبس بين ما هو «جماعة» وماهو «جمعية» أو «حزب» يعمل بالنيابة عنهما.