لاشك أن الجميع يعرف مطلوبات حسن الجوار.. وأهمية الجيران.. واحتياجنا الدائم لهم.. قال صلى الله عليه وسلم «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».. فتكرار التوصية للحبيب المصطفى للدلاله على أهمية الجوار.. حتى يكثر - صلى الله عليه وسلم - من الحديث.. والعظة.. عن الجيران ليتعلم منه الناس «فهو لا يحتاج لذلك لأن خلقه القرآن».. حتى ظن أن الجار يستحق الميراث أسوة ببقية الأهل والأقربين من الدرجة الأولى!. فإن كان الجار.. بصفة العموم.. يحتاج إلى معاملة حسنة، فإن الجار الضعيف أو المسكين أشد حاجة.. بصفة خاصة..!. فأنا لا أفهم مثلاً «كيف لجارة أن ترسل لجارتها التي تدانيها مستوى، طعاماً فاخراً في إناء جميل.. وترسل بقايا الطعام في وعاء قديم إلى المساكين» أو يرسل أحد الجيران .. دعوة لحضور مناسبة.. ولا يرسل لبقيه الجيران.. الخفراء.. والفقراء.. إن مثل هذه الممارسات تؤذي الجيران.. وتزرع الأحقاد والكراهية.. لقد أوصى الحبيب المصطفى «صلى الله عليه وسلم» بعدم أذية الجيران «حتى بقتار القدر.. أو رائحة الطعام».. وبقدر ما يوجد.. جيران.. كالأهل والأحباب... يوجد أيضاً جار السوء.. الذي يمنع الماء.. وينقل الأخبار. ويتتبع العورات!. قال صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. قالوا من يارسول الله، قال : من لا يأمن جاره بوائقه»..!.كان لعبد الله بن المبارك«وهو أحد الزهاد التابعين» جار يهودي أراد أن ييبع داره، فقيل له بكم قال بألفين قالوا لا تساوي إلا ألفاً.. قال صدقتم.. ولكن ألفاً للدار وألفاً لجوار عبد الله بن المبارك.. فأُخبر ابن المبارك بذلك فدعاه وأعطاه ثمن الدار وقال لا تبعها!!.وروى عن «سهل التستري» رحمه الله أنه كان له جار ذمي ينزل من بيته على بيت «سهل» قذارة من فتحة.. فكان «سهل» يضع إناء كبير تحت تلك الفتحة فيجتمع ما يسقط من بيت جاره الذمي ويطرحه بالليل دون أن يراه أحد.. فلما حضرت «سهل» الوفاة.. استدعى جاره وقال أدخل وأنظر.. فرأى القذر يسقط في الإناء فقال ما هذا.. فأخبره.. وقال لولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف الا تتسع أخلاق غيري لذلك ما أخبرتك.. فأفعل ما ترى .. فأسلم الذمي!.وعرض محمد بن الجهم داره بخمسين ألف درهم فلما حضروا للشراء.. قال بكم تشترون جوار «سعيد بن العاص» فقالوا: والجوار يباع!.. قال وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك.. وإن سكت عنه ابتداك.. وإن أسأت إليه أحسن إليك.. فبلغ ذلك سعيد.. فبعث بمائة ألف درهم.. وقال أمسك عليك دارك!!. زاوية أخيرة: هناك من يبيع داره... ليشتري بُعد جار السوء عنه..