انتهينا في المقالين السابقين عن المجلس البيطري السوداني... إلى أين؟! إلى أن المجلس البيطري وخلال عقدين من الزمان منذ إنشائه في عام 1949م حتى عام 1969م انطلق بخطوات ثابتة، بصورة جيدة وعلى أسس قانونية، وبعلمية ومهنية عالية المستوى من قيادات لرئاسة مجلس المجلس البيطري، وعضوية علمية ومهنية، وإدارات تنفيذية ذات خبرة ودراية وممارسة طويلة المدى، ذات كفاءة قادرة بعون الله، تحب الوطن، وتغار على مهنتها وتخدمها بكل ما تملك من غالٍ ونفيس، والأهم أنها تراقب ممارسة ومزاولة مهنتها بمهنيين لابد أن يكونوا مسجلين بالسجل الدائم، وبعد أن أكملوا فترة ال House man ship" الامتياز، من التسجيل التمهيدي الأول ولمدة لا تقل عن ستة شهور تحت إشراف طبيب بيطري مسجل بالسجل الدائم «قانون المجلس البيطري السوداني»، مما يؤهلهم علمياً وعملياً وإدارياً.. كل ذلك أدى لرفع مكانة الطبيب البيطري السوداني في الوطن العربي والأفريقي، وعلى المستوي العالمي. حيث احتل الطبيب البيطري السوداني مكانة مرموقة علمية ومهنية بين الأطباء البيطريين على مستوى العالم، ويشهد على ذلك العديد من العلماء الاستراليين والدنماركيين والألمان والبريطانيين وغيرهم كثر، الذين رأيتهم بأم عيني وسمعت منهم بأذني اعترافاً ومدحاً جميلاً لروادنا وفي المحافل الدولية على الملأ والسمع. üهبت ثورة مايو في 25/مايو/1969م بقيادة العقيد أركان حرب في ذلك الوقت/ جعفر محمد نميري الرئيس الأسبق للسودان «1969-1985م»، ولابد أن يقال في حقه ما يستحق، وهو الآن بين يدي الرحمن، وفي معية الله سبحانه وتعالي، وأنا أحسب أنه محب لله ورسوله والوطن، وسيدخله الله سبحانه وتعالى، إن شاء الجنة بحسب ما نعلم من أعمال قام بها وأفعال أداها، قد لا يعلم عنها شيئاً ولم يعشها أكثر من نصف الشعب السوداني الآن، والله غفور رحيم.. ونحن في بداية تلك الحقبة في المرحلة الأولية بمدرسة دبيرة الأولية «سكشن A قرية (3) حلفاالجديدة. سمعنا ورأينا وعلمنا أنه رجل قوي وشجاع لا يهاب شيئاً، يدفع ويعمل بما يقتنع به وبكل قوة وهمة وإصرار، ولكن خذلوه من كانوا حوله والذين حاولوا أن يستغلوه لتحقيق مصالحهم... شخصية كانت أم حزبية، ولذلك كان متنقلاً في منهج حكمه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الذي امتد إلى «16» ستة عشر عاماً، وفي أواخر سنين حكمه وبعد أن وصل إلى قرار تطبيق منهج الله انقلبت عليه الإمبريالية العالمية، والصهيونية الدولية، والعلمانية والماسونية اللادينية، لأنه آمن بتطبيق شرع الله في السودان. ü في عام 1969م كان رئيس المجلس البيطري السوداني المرحوم بروفيسور/ النذير دفع الله الياس، ومسجل المجلس / د. يحى محمد حسن، بارك الله في عمره، وفي أول تشكيل لحكومة مايو عيَّن رئيس مجلس قيادة الثورة/ جعفر نميري شخصية عسكرية وعضو مجلس قيادة الثورة الرائد أركان حرب/ هاشم العطا وزيراً لوزارة الثروة الحيوانية، رحمة الله عليه «مايو 1969م- نوفمبر1970م» والدكتور/ جعفر محجوب كرار وكيلاً لوزارة الثروة الحيوانية، بارك الله في عمره. üاختلف الرئيس جعفر نميري مع الشيوعيين بعد عام واحد وانتهت فترة العسل بينهم، مما دفع جعفر نميري لعزل قادة الشيوعيين في نوفمبر1970م ومنهم وزير الثروة الحيوانية في ذلك الوقت الرائد/ هاشم العطا، ومقدم/ بابكر النور، ورائد معاش/ فاروق حمدنا الله وغيرهم.. وتم بعده التعديل الوزاري الذي عين فيه السيد/ مأمون يحي منور وزيراً لوزارة الثروة الحيوانية «نوفمبر1970- يوليو1971م» بارك الله في عمره ويستمر د.جعفر محجوب كرار وكيلاً لوزارة الثروة الحيوانية. ü أول لطمة بعد تأييد ومساندة المرحوم المشير/جعفر نميري كانت من الحزب الشيوعي السوداني، بانقلاب الرائد م/ هاشم العطا في 19/يوليو/1971م والذي كان بعد عام واحد تقريباً من عزل قادة الشيوعيين وإبعادهم عن السلطة، ولكنها كانت المحاولة للحصول على كامل السلطة والقشة التي قصمت ظهر البعير، واستمر الانقلاب لمدة ثلاثة أيام فقط.. ثم عاد جعفر نميري رئيساً بعد فشل الانقلاب وهو الوقت الذي أغلق فيه التعاون مع اليسار تماماً واتجه إلى الاشتراكية üتعكر مزاجه وتغيرت فكرة المرحوم المشير/ جعفر نميري رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، عن وزارة الثروة الحيوانية، ووزراء الثروة الحيوانية الذين عينهم، معتقداً أن الوزارة وما فيها هو وكر وخلية عمل للحزب الشيوعي، وخاصة بعد صدور عدة إشارات تأييد لانقلاب هاشم العطا من بعض النقابات والجمعيات بالوزارة، أو كلية الطب البيطري جامعة الخرطوم، مما دفعه إلى تغيير اسم الوزارة وتعيين وزير تكنوقرات طبيب بيطري باحث وعالم من أعلام المهنة البيطرية هو المرحوم البروفيسور/ محمد النصري حمزة، ابن مدينة الكوة بولاية النيل الأبيض، وزيراً لوزارة الإنتاج الحيواني في يوليو 1971م ويستمر د. جعفر محجوب كرار وكيلاً لوزارة الإنتاج الحيواني.. لم يكن المرحوم بروفيسور/ محمد النصري حمزة يعشق السياسة، ولكنه كان مولعاً ومحباً للبحث والبحوث والعلم والعلماء، وكان يقضي جل وقته بمعامل البحوث البيطرية واستخلاص النتائج العلمية والبحثية، مما لا يرتاح له جعفر نميري كثيراً. üكان في ذلك الوقت يدور نقاش وحوار على كافة المستويات السياسية والمهنية بما يسمي بالوزارة الكبيرة... التي تضم عدداً من الوزارات وخاصة في مجالس جبهة الهيئات، وعند أول تعديل وزاري قام به جعفر نميري في عام 1972م، طبق نظرية الوزارة الكبيرة وأعلنها، وكان أول ضحاياها وزارة الثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني، والغابات، والثروة السمكية، والحياة البرية والري، كلهم في وزارة واحدة أسماها وزارة الزراعة والموارد الطبيعية والري، ولأول مرة في تاريخ السودان الحديث من القرن الماضي تلغى وزارة الثروة الحيوانية، والخدمات البيطرية التي أنشئت مع دخول الاستعمار الإنجليزي كأول وأهم مصلحة في السودان ولقطاع الثروة الحيوانية، وهي مصلحة الخدمات والإمدادات البيطرية.. واستمرت بعد الاستقلال كوزارة، ولكن فقدت أهميتها من حيث نظر السياسيين، كافة السياسيين في السودان، ولأنها وزارة كانت ضمن الوزارات الخدمية، وليست وزارة اقتصادية أو سيادية رغم أنها كذلك وتحمل كل مقومات السيادة والاقتصاد، وكانت الصدمة الكبرى لقطاع الثروة الحيوانية والعاملين فيه من أطباء بيطريين وكوادر مساعدة من تقنيين وفنيين ومساعدي الأطباء البيطريين والتمرجية والممرضين وعمالة مدربة وغيرهم.. وبدأ كافة القطاع يترنح ويتدهور ويتراجع على كافة الأصعدة والمستويات، فقد أهميته وتقلصت مسؤولياته، وقل عطاؤه تدريجياً وبصورة لا يلحظها إلا مراقب وبعمق في ما حدث من أحداث في تلك الحقبة. والله المستعان وعليه التكلان، وبالله التوفيق ولنا لقاء إن شاء الله