حيدر محمد علي : كانت أمسيات الخرطوم والمدن البعيدة تنام على مخدات الطرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكانت دور العرض السينمائي هي الملاذ الليلي للأسر والأفراد تجدهم يتوافدون عليها في أناقةٍ وجمالٍ بهي، يعطرون سموات المدى في تلك الليالي البهية. في العاصمة كانت سينما، «أم درمان الوطنية، العرضة،بانت، كلوزيوم، غرب، النيلين، النيل الأزرق، الحلفايا، بحري الوطنية، الصافية والوحدة كوبر» والخواجة في مدني، وكيكوس في القضارف، والشرق في حلفاالجديدة، وفي عطبرة «الجمهورية» و«الوطنية» و«السينما الجديدة» و«عروس الرمال» في الأبيض كانت تضج بالجمهور الذي يتجمع منذ العصر من كل الدرجات «شعب.. لوج.. وبلكونة» كل بسعره ومميزاته!! ولازلنا نذكر روائع الفن السينمائي في تلك الحقب يوم أن كانت البلاد تستقدم أروع وأحدث الأفلام «جانوار» ذلك الفيلم الهندي الذي أسر الكثير من الأسر خاصةً على «سبنا» بطلة الفيلم. و«ذهب مع الريح» والأم و «الأب الروحي» قصة المافيا و«احمر شفاه» وقد احتكرته سينما قاعة الصداقة والتي كانت تنافس بقية الدور خاصة النيل الأزرق تلك السينما التي كانت للصفوة وعلى رأسهم أساتذة وطلاب جامعة الخرطوم. أما «سينما غرب» كانت لطلاب جامعة القاهرة فرع. وعن أفلام السبعينيات الشهيرة «سَبْع الليل» و«بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» روائع نجيب محفوظ فقد استقطبت كثير من فئات المجتمع، وفي بداية الثمانينيات ظهرت موجة الأفلام الهندية والاكشن فكانت «أمي الهند» و«الحصار» وأغانيه الشهيرة التي كانت أهزوجة الشباب وقتها وعليها تم تأليف موسيقى النشيد السوداني «سودان عازة أنا بفخر بيك». لها دور تعليمي.. درج المعلمون في المرحلة الوسطى «الثانوية العامة» على اصطحاب التلاميذ والتلميذات لحضور الروايات التي كانت مقررة لهم في الأدب الانجليزي مثال (little woman) و(great expectation) وجزيرة الكنز. وكان التلاميذ يخرجون منها بفائدة عظيمة خصوصاً أن العروض كانت للتلاميذ صباحاً وبأسعار رمزية. الأسر والسينما.. كانت دور السينما تقدم عرضين الأول يبدأ بعد المغرب ويدخله الشباب وعامة الجمهور، والعرض الثاني فهو لعلية القوم والأسر الكريمة التي كانت تأتي بكامل أفرادها لقضاء أجمل الأوقات ومشاهدة أروع الأفلام التي كانت تجلبها مؤسسة الدولة للسينما بعناية فائقة !! ويشرف عليها موظفون يمتازون بحسن الاختيار والنظرة التربويةالصائبة. و.. ضاع الجمال معظم دور السينما بعد أن توقفت لأسباب كثيرة، وصارت واقعاً منسياً ومبانيها ينعق عليها البوم.. كلوزيوم، الصافية، الوحدة كوبر، الحلفايا. أما في عطبرة «الجمهورية والوطنية» صارتا مأوى للثعالب كما يقول أهل المنطقة. ولحقت الإزالة بالوحدة بحري، وعدداً من الدور الأخرى، وبعضها تم تحويلها إلى آلة إعلامية اخرى تفيد المجتمع كسينما النيل الأزرق التي أصبحت إذاعة صوت القوات المسلحة .