أكرمنا الله في مهنة العلاقات العامة أن نقرأ توجهات الصحف اليومية من خلال صفحتها الأولى، وصفحات الأخبار، والتحقيقات، والاستطلاعات، وإلى حد ما الحوارات، وعمود رئيس التحرير، إذا كان كاتب عمود يومي.. وفي صباح يوم الخميس الماضي إطلع «المجلس الأتبراوي للصحافة والمطبوعات الصحفية» على ست عشرة صحيفة سياسية، وبعد أن أحصى هو معاونوه ما يليهم فيما يتعلق بالمؤسسة المعنية، انفرد المجلس الأتبراوي بتلك الصحف ليقرأ الصفحة الأولى من كل صحيفة فماذا كان؟. بعد بيان الجيش السوداني الذي أعلن فيه تحرير لبدو ومهاجرية، كنا نتوقع أن تأتي صحف الخميس الماضي (على قلم وطن واحد) وتبرز الخبر، إن لم يكن في (المانشيت) الأول فضمن خطوطها الرئيسية، ولكن الصحيفة الوحيدة التي جعلت الخبر (مانشيت) أولاً هي صحيفة (آخر لحظة)، وبالأحمر وأعلى (اللوقو)، بينما صحيفة أخرى جعلته خطاً ثانياً منفرداً، وصحيفة ثالثة جعلته خطاً ثانياً مشتركاً.. هكذا: (تجدد القصف على كادقلي والجيش يسترد لبدو ومهاجرية).. ورابعة أوردته ضمن خطوطها خطاً رابعاً.. وثمان صحف أوردته خبراً في الصحفة الأولى بدون مانشيت وصحيفة واحدة أوردته في الصفحة الأولى خبراً مشتركاً وبدون مانشيت، بينما هناك ثلاث صحف لم تورد الخبر في صفحتها الأولى!!. والسؤال الذي يهز الضمير أين صحافتنا الآمنة في سربها المالكة قوت يومها، المعافاة في بدنها من رجال الجيش والقوات النظامية ومتطوعي الإسناد العسكري والمدني، الذين يسهرون الليالي ويكابدون النهارات، وهم يحملون أرواحهم على أكفهم، ويبذلونها رخيصة من أجل أمن الوطن والمواطن.. وهل الخطوط التي أبرزت (كما نشيت) أول في تلك الصحف كانت أهم من أمن واستقرار مواطن سوداني في لبدو أو في مهاجرية، أم كانت أهم من شرف الوطن الذي يريد الأعداء تمزيقه بأيدي بنيه؟! أم لم تعِ صحفنا أن المطابع التي تدور لانتاجها حتى الساعات الأولى من فجر يوم صدورها أن عمق الأمان الذي تتمتع به يبدأ من لبدو ومهاجرية!؟. لا عليك ياصحافة الوطن المنكوب ببينه لطالما أنبرى لنا وزير اتحادي، ونحن ننبه إلى خطورة التنصير الذي يريد أن يخرج المسلمين من الإسلام ولا يدخلهم المسيحية.. فيقول لنا ذلك الوزير الهمام منبهاً:(إن قضية التنصير يتم تضخيمها أكثر من اللازم) نحن نحمد للصحفيين الذين أثاروا الوزير بالتساؤل حول التنصير الذي نبهنا لخطورته في مقال الاسبوع الماضي، ونحمد للوزير المعني أنه تكلم حتى نتعرف عليه في هذه القضية رغم الإجابة الصادمة بالتقليل من خطورة التنصير ليبث الوزير مخدراً في عصب الدعاة والسياسيين، والمجتمع السوداني المسلم في معظمه، فيُحيّد جهدهم المكافئ دون قصد أو سوء نية، وكما سلف فالمقال المتعلق بالتنصير لم يقل إن المسلم الحق يمكن أن يتنصر، وهذا ما شهد به (1200) منصر عام 1935م في مؤتمر القدس التنصري، ولكن هدف التنصير الذي حدَّده صمويل مارينوس زويمر ونعيده مرة أخرى في قوله: (ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها.. سيدي الوزير هذا ما وددنا أن ننبه اليه، ويا صحفنا الوطنية إن تبشيراً هذا هدفه، وهذه أخلاقه، فهو يبدأ أولاً بتمزيق النسيج الإجتماعي في لبدو ومهاجرية بأيدي أبنائنا ليصبح المواطنون واحداً من ثلاثة (صغير لم يتمكن أهله من تعريفه بالإسلام، أو شخص ضاقت به سبل الحياة وعزت عليه لقمة العيش، أو ثالث مستخف بالأديان يريد أن يصل إلى تحقيق مطامع شخصية)، وهؤلاء هم الذين أقر المنصرون أنهم أخرجوهم، ولازالوا يخرجونهم من الإسلام ولا يدخلونهم إلى المسيحية.. سيدي الوزير إن الرجل ليلقي بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفاً في نار جهنم، وإن التقليل من خطر التنصير هذا أخشى أن يقعد بأهل الشأن عن أداء أدوارهم فتتحمل أنت وزره ووزرهم جميعاً، كما أخشى أن لا ينتبه القائمون على أمر الصحف إلى أن خلخلة الأمن من ناحية والمنظمات الأممية من ناحية أخرى، وغفلة المسؤولين ثالثة الأثافي، تتضافر جميعاً من أجل تغيير وجهة الوطن وقبلة الإعتقاد.. وبذلك تنضم الصحافة إلى الركب فيصبح تحرير الجيش لمهاجرية ولبدو خبراً عادياً أو خبراً لا يستحق الصفحة الأولى!! وبرافو (آخر لحظة). والله المستعان.