أما يكفيه أنني أقر واعترف بأنه شخص لا يمل، وأنه شخص لا يعرف العبوس ولا التقطيب.. وأنني أدرك في قرارة نفسي ورغم كل شيء.. وكل شيء هذه تحتها خطوط.. فهو رجل صافي السريرة سليم الصدر.. وهذا ليس رأيي وحدي.. بل إن الأخ مولانا جلال الدين مراد كما يلقبه مؤمن الغالي، يلاقيني فيمسك بتلابيبي ولا يدعني حتى يحملني تحاياه وسلامه لمؤمن الغالي الذي كان قد لاسنه وداعبه وحاوره في مناسبة سابقة. ربما كانت هذه المقدمة لا تعجب مؤمن الغالي ولعله من تواضعه وحيائه ودّ لو أنني لم أقل شيئاً منها.. وردي عليه في هذا الأمر هو: «على نفسها جنت براقش» «ويداك أوكتا وفوك نفخ» و«أعرنزمي ميادة للقوافي» والآن ندخل في الجد.. فقد كتبت مقالاً بعنوان مؤتمر توهين المرأة رداً على ما سمي «بمؤتمر تمكين المرأة».. والذي لا يماري فيه اثنان عاقلان أن هؤلاء القوم أساءوا اختيار الاسم لمؤتمرهم وقد صوبتهم واخترت لهم الاسم المناسب. والأخ مؤمن لأنه يعد نفسه نصيراً للمرأة يخالفني الرأي.. وأنا تحدثت عن الأدوار النمطية-أدوار الأم والزوجة والأنثى- وقلت إنها مملكة المرأة ومعراجها إلى السماء.. وقبل أن أرد على ما قاله هذا المؤمن المشاغب وأصوّب بعض آرائه أذكره بهذه المعاني: في التراث الإنساني خاصة العربي الإسلامي الرجل زوج المرأة والمرأة حرمة.. ومعلوم ما هو معنى الحرم .. هو الذي تمنع مقاربته.. وسميت الحريم حريماً لهذا المعنى وللحفظ والصون بل هم يقولون حرمنا المصون.. ويضيفون إلى المنع الصون والحفظ والمنع وليس في هذا تقليل لشأن المرأة أو نقص من مكانتها.. وتسمى النساء المكرمات ربات الحجال.. والحجال هي المخابئ والأحراز.. والمرأة عقيلة الرجل والعقل هو القيد «اعقلها وتوكل».. وقال الشاعر حصان رزان ما تزن بريبة وأنت تدري معنى حصان من الحصن والتحصين.. ومعنى رزان من الرزانة.. وهي على هذا المنوال لا تتهم بما يريب لأنها حصان ورزان ومصون وحرم ممنوع. وإذا أرادوا ذم المرأة قالوا إنها امرأة برزة أو مسترجلة.. وأهلنا في السودان يقولون عنها إنها «أمحمد ولد».. والخواجات ليسوا أقل منا في المحافظة تاريخياً على المرأة وليس أفضل من اللغة لحفظ التراث فالمرأة المسترجلة عندهم في غاية الذم ويترجمون «أمحمد ولد» فيقولون عنها إنها (Tom boy). يا واد يا مؤمن يا غالي.. ما تخلي بالك معانا شوية زادك الله إيماناً وعصمك من الغلو وأغلى شأنك وأعلى مرتبتك في الدارين.. وأنا أحذرك من قلمي هذا فإن شئت كان ذا بوائق وإن شئت كان ذا رقائق واخترت لك الرقائق.. والآن هاك شيئاً من رقائق القرآن قال تعالى مخاطباً نساء النبي:«عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن..» وأي أزواج؟! «مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً».. أما مسلمات مؤمنات فصفتان لابد منهما ثم بعد ذلك قانتات.. تائبات.. عابدات.. سائحات.. ولن أشرح لك معاني هذه المفردات فهي لا تحتاج إلى شرح.. ولكن أنبه إلى أن سائحات ليست في معنى كثيرات الدخول والخروج ولا كثيرات الحوامة لأن المرأة الحوامة عندنا في التراث تسمى «اللوابة» وهو منتهى الذم.. وهذه الصفات تنطبق عليهن في الحالتين.. ثيبات وأبكاراً صغاراً وكباراً.. نصائف وصبايا. هل هذه الصفات والنعوت تصب في معنى الملكة أو في معنى الخادم؟.. أنا قلت مملكة المرأة.. مملكة وليست زاوية ولاركن ولا مطبخ.. ومن في هذه المملكة؟ نساء النبي «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض..» هل في الصوت الخفيض الحيي معنى من معاني الخادم أو الشيء.. «وقرن في بيوتكن» القرار في البيت خطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض..» إذا كنت تعرف مضمون القوامة فلابد أنك تعلم أن القوامة خدمة وتكليف ومسؤولية يدخل معها الإنفاق والحماية والرعاية والصيانة.. والآية أبهمت التفضيل فلم تقل بتفضيل الرجال على النساء ولا بتفضيل النساء على الرجال بل قالت: بما فضل الله بعضهم على بعض.. فالتفضيل متبادل ومتداول بينهما.. والتفضيل هنا تخصيص بالمهام والوجبات والتكاليف- تكاليف الفطرة وتكاليف التكوين وتكاليف الدور. نحن ننهى يا أيها المؤمن الغالي عن الإسقاط.. لا تقل فلان قال كذا وكذا إلا أن يكون قد قاله فعلاً ونطق به حرفاً أو صوتاً.. وعندما نقول إن التمكين توهين وإن المرأة أصبحت سلعة فلا نقول ذلك إسقاطاً ولا افتراءً.. بل حقيقة.. ففتاة الإعلان سلعة.. والممثلة سلعة.. والمغنية سلعة.. والآن نخشى أن تكون الموظفة ذاتها سلعة خاصة السكرتيرة.. وإياك والسكرتيرة.. يا أخي خليك مؤمن وغالي ومصحصح شوية!!