قاتلك الله يا هيجل.. ماذا أتى بك الآن وكنت قد تركتك منذ أربعين سنة وتزيد.. ماذا دهاني هل هي ردة.. أو لوثة أو «جن كلكي».. وهل أبدل رأياً وفكراً.. وموقفاً كما يبدل المنحطون المرتشون «الرخيصون» معتقداتهم كما يبدلون «قمصانهم» بل حتى «جلاليبهم».. أم هي تجربة وتجريب.. وهل صحيح إن «الأرضة قد جربت الحجر».. من قال ذلك وهل نجحت.. واذا لم تنجح لماذا أجرب أنا إذن..؟ يا أحبة.. لقد كنت أسخر من الهيجيلية.. وأضحك على هيجل ذاك الغشيم المسكين.. كنت أرثى لكل طوباوي وأشفق على كل من يراهن على المدينة الفاضلة.. كنت لا أثق أبداً في البشر ونفوسهم التي تنطوي على الأنانية والجشع وحبهم العاصف لأنفسهم واستعدادهم للظلم طالما كان طريقاً تتمدد فيه أحلامهم وتتراكم فيه أموالهم وتتسع فيه مساحة مصالحهم.. كنت اؤمن في حديدية وصرامة بالمقولة الخالدة والصادقة وهي «إنه ما من طبقة في التاريخ تتنازل عن امتيازاتها بمحض إرادتها» وكنت أتغني في شدو بهيج وأنا أرى فكراً يبني مجتمعاته طوبة طوبة.. ليعم سلام اجتماعي رصين.. حين ترفرف رايات الحب والعدالة الاجتماعية الشاسعة والغناء مقاطع من «الدوبيت» الأنيق.. و.. «من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته».. كنت من أشد بل من غلاة الذين يرون أن الدولة يجب أن ترفع العصا الغليظة في وجه أي استغلالي جشع وبشع.. انقضت أنضر سنوات عمري وأنا أحلم بدولة تحقق أحلامي وترضي طموحي.. عندما يكون شعارها لرفاهية مواطنيها.. هو سيطرة الدولة على كافة وسائل الانتائج.. مشيت في هذا الطريق منذ فجر شبابي.. وما قادني هذا الطريق إلى «البصرة» اليوم دعوني أجرب.. دعوني أحلم.. دعوني أصالح معتذراً هيجل.. دعوني أحلم وعيوني «مفتحة» إن تحقق حلمي.. يدوم «صلحي» مع هيجل.. وإن تبخر.. وضاع.. وتلاشى.. أخاصم في صرامة هيجل للمرة الثانية وأفارقه «فراق الطريفي لي جمله» وأعود مرة أخرى لجادة الطريق.. لأبدأ من حيث انتهيت.. ودعوني أقسم لكم بالشعب والأيام الصعبة إني ما صالحت هيجل- صلحاً مؤقتاً- إلا وأنا في أعمق أعماق بئر اليأس وفقدان الأمل.. وعدم جدوى العمل.. والآن إليكم أحلامي الهيجيلية.. أحلم بأن يتنازل التجار وبمحض إرادتهم من تلك الأسعار الفلكية.. والتي صعدوا إليها في غفلة من الحكومة أو في إهمال من الحكومة أو في مباركة من الحكومة.. أو في تواطؤ من الحكومة.. أحلم بأن يقذف هؤلاء التجار في «النار» كل ديباجات الأسعار التي انفلتت في جنون في هذه الأيام المفزعة.. ليكتبوا بطاقات جديدة.. مثل بطاقة مكتوب عليها.. 5.3 ثمناً للكيلو السكر ورطلاً من الشاي مكتوب على «رفه» ثمانية جنيهات.. و6 جنيهات لطبق البيض.. ومكرفونات الجزارين تصدح وهي تعلن في تنغيم.. 16 جنيهاً للبقري وعشرين جنيهاً للعجالي.. وثلاثين جنيهاً للضأن.. وعلبة الصلصة الكبيرة تعود إلى قواعدها سالمة معتذرة عندما تعلن عن نفسها وأن ثمنها هو ثلاثة جنيهات فقط.. أحلم بأن يقرر الأطباء الاختصاصيون في مختلف التخصصات إن بطاقة الزيارة تكلف المريض فقط خمسين جنيهاً.. وأن «النقابة» سوف تغلق عيادة أي اختصاصي لو اكتشفت أن هناك اختصاصياً يحدد رسوم زيارة المريض بخمسة وخمسين جنيهاً أحلم بأن يخصص اختصاصي الاطباء الاسلاميون يوماً مجانياً للمرضى في كل اسبوع وفي كل التخصصات وليكن مثلاً يوم الخميس.. وكذا الحال بالنسبة للأطباء الشيوعيين وأطباء حزب الأمة القومي.. والاتحادي الأصل.. تكون عيادة مجانية مرة كل اسبوع مع توفير «حفاظات» المياه الباردة ووضع مجموعة من «الكيزان» المربوطة بسلاسل.. وبكره نواصل