لم ينقطع هاتفي عن الرنين وهو يتلقى المكالمات والرسائل الواحدة تلو الأخرى حتى الساعة الواحدة والنصف من صباح اليوم، وقد فاق عددها الخمسين مكالمة ورسالة، جميعها جاءت مؤيدة ومساندة وتشيد بما ورد في عمود «خلاصة الحكي» يوم الاثنين 6/9 الماضي تحت عنوان «الحكم بسجن مدير السجن لن يرضي عنكم أمريكا»، والذي تناولنا فيه موضوع حكم نراه متعسفاً وجائراً في حق السيد اللواء محمد إبراهيم المدير السابق لسجن كوبر، وفي حق مساعده العقيد شرطة محمد حسين سنادة، وفي حق ضابطه الملازم الشيخ، عدا مكالمتين جاءتا على خلاف الرأي العام الذي تشكل حول هذه القضية الحساسة، ولقد عكست كل الإفادات وبخاصة تلك التي وصلت من المواطنين من غير العاملين بالشرطة أو القوات المسلحة حساً وطنياً عالياً، وأوضحت إهتمام رجل الشارع العادي وإحساسه الجميل بأهمية الشرطة وتقديره لدورها، ومن ثم جاء إهتمامه وإنفعاله بما يجري فيها من أحداث دراماتيكية، حيث جاءت تلك التغذيات الراجعة مطالبة لقيادة الشرطة بمراجعة ذلك القرار الذي صدر في حق هؤلاء الضباط.. ولقد جاءت ردود الأفعال مرتكزة على ثلاث محاور: أولها: الإشادة بصحيفة «آخر لحظة» على شفافيتها وشجاعتها في طرح القضايا الحساسة والتي تهم الشارع العام. وثانيها: أن إفادات العاملين بالشرطة كلها قد أجمعت بأن المقال قد عبر بصدق عما يجيش في صدورهم من مشاعر مضطربة ومتوجسة من طبيعة الحكم، إلا أن عوامل الانضباط وقدسية القرارات في المؤسسات العسكرية تمنعهم من الافصاح صراحة عما يعتمل في صدورهم، وأن لهم طرقهم الخاصة في التعبير وذلك أمر مفهوم، إلا أن عبارات «المقال وقع لينا فوق جرح.. وأنه أزال الغبن من النفوس، أو أنه أشفى غليلهم»، كانت هي العبارات المشتركة تقريباً بين كل المتصلين. أما إفادات الإخوة من الضباط وصف الضباط من العاملين ومن معاشيي المسلحة فقد جاءت معبرة عن روح قواتنا المسلحة، والتي تتمثل في المروءة والشهامة ورفض الظلم والوقوف بقوة الى جانب رفقاء الكفاح والدفاع عن الوطن، ولعل أكثر ما هزني جراء هذا الأمر هو المشاعر الإنسانية البحتة، والتي تمثلت في رفض الظلم إياً كان شكله أو مصدره أو من وقع عليه الأمر الذي جعل من قضية ضباط سجن كوبر.. قضية رأي عام، وها هي السيدة محاسن بشارة من الهيئة العامة للمياه تقول بأن هذا الظلم الذي وقع على ضباط كوبر هو في حقيقته «ظلم قد وقع على السودان ككل».. ولقد حكى السيد خلف الله أحمد وهو من سكان حي «الرميلة» الذي يسكنه اللواء محمد إبراهيم، حكى عن محبة أهل «الرميلة» لجارهم الذي وصفه «بالتواضع لله»، وكيف أنه أستقبل إستقبال الأبطال بمسجد الشيخ دفع الله الغرقان، (بالهتاف والتهليل والتكبير)، بعد صدور الحكم في دعم معنوي لا يوصف لسيادته.. أما العقيد شرطة «م» أحمد هلال فقد قال إن الحكم قد حز في نفسه كثيراً، ووصف المقال بأنه من قبيل «الضرب على الميت حرام»، واصفاً شرطته الحبيبة «بموت الاحساس» وهي لا تراعي حقوق أبناءها بتلك الصورة.. وكذلك تحدث السيد عبد المنعم الرفاعي من شركة النيل الكبرى للبترول واصفاً الحكم بأنه «ظلم يجب أن يزال».. وكذلك كان رأي الرقيب أول فني عبد العظيم عبد الله عباس من مرور الكاملين، وكذا المساعد شرطة كمال خير السيد من القطينة.. أما الأخ ياسر من أم درمان فقد وصف المقال بأنه حكاية سيدنا نوح مع قومه.. ويأمل أن لا يصبح الإخوة في قيادة الشرطة مثل قوم نوح لا يستجيبون لدعوة الحق، راجياً من السيد وزير الداخلية التدخل في الأمر لازالة الظلم عن رجاله.. أما السيد اللواء الشيخ الريح مدير السجون الأسبق فقد أبدى امتعاضه وعدم رضاه عن ذلك الحكم الذي صدر في حق رجال هم من أفضل الضباط كما وصفهم.. ولقد جاءت مكالمة الرائد «م» عبد الله تاج السر منوفلي من معاشيي القوات المسلحة قوية ونارية، وفي ذات السياق جاء تفاعل السيد اللواء أ.ح «م» عثمان محمد بركات، وكذلك كان الدعم من العميد شرطة «م» أسعد علي عبد الحفيظ، أما الرقيب شرطة محمد آدم فقد أستشهد بالحكمة القائلة: üإن البناء إذا ما أنهد جانبه.. لا يأمن الناس أن ينهد باقيه في إشارة لا تخفى على فطنة القاريء الكريم ولا على قادة الشرطة، وأما السيد المهندس المدني عصام الدين خضر فقد كان غاضباً أشد الغضب من ذلك الحكم الذي وصفه ب«الظالم» مقارنة بأحكام أخرى بعد حادثة سقوط مباني جامعة الرباط والتي تسببت في وفاة وإعاقة شخصين، حيث كانت الخسائر بالمليارات.. ويتساءل النصري محجوب عبد الكريم المتحري السابق بمرور بحري عن موقف رئاسة الشرطة إذا كان الهاربون من غير قتلة قرانفيل الأمريكي، هل كان سيكون هذا حكمهم؟ وترك السؤال معلقاً في الهواء بلا إجابة!! أما السيد عواض إبراهيم المحامي فقد عبر عن تضامنه مع المظلومين، وأبدى استعداده للمشاركة في أي عمل يمكن أن يعيدهم إلى عملهم من جديد. الشكر كل الشكر للأخوين د. مخلص ود. عمر قدور على اتصالهما وتضامنهما مع أصحاب القضية، ولقد تعمدت أن أحجب اتصالات وأسماء العاملين من ضباط الشرطة من مختلف الرتب تفادياً للحرج، إذ أن قواعد الانضباط وحتمية الإلتزام بقرارات الشرطة تستدعي ذلك بالنسبة لهم، والشكر موصول للسيد الرائد «م» خالد فضل الله من معاشيي القوات المسلحة على تضامنه مع ضباط سجن كوبر.. ولعل المكالمة التي سيكون لها ما بعدها من عمل إيجابي هي التي تلقيتها من السيد نصر الدين محمد عثمان من امانة الشباب بالمؤتمر الوطني، الذي وصف المقال بالوضوح ورصانة الكلمة، وبأنه مقال «قوي وموزون»، وتعهد أن يثير أمر هذا الحكم أمام المجلس الوطني، وكذلك جاء تضامن السيد اللواء عبد المحمود محمد عبد المحمود مدير السجون السابق، إلى جانب السيد عاصم الحاج من دار الوثائق، والسيد سليمان عبد الله «ابو سفيان» العضو السابق بمحكمة الحاج يوسف.. وكذلك ننقل مناشدة رقيب أول التوم قسم من شرطة المحاكم، والرقيب أول «م» الطيب عبد الرحمن، والنقيب «م» حمدوبا «الاحتياطي المركزي لرئاسة الشرطة» لتدارك الامر. أما اتصال القيادي المرموق بوزارة الداخلية فقد حملت كلماته تاجاً وضعه على رأس جريدة «آخر لحظة»، ووساماً وضعه على صدر «خلاصة الحكي»، مشيداً بتناول الموضوع بمهنية واحترافية، سيما وأنها قد أصبحت قضية «المواطن العادي في الشارع» كما وصفها، وحكى لي عن واقعة إيقاف السيد اللواء كمال عمر الذي كان قد جاء من الفاشر للخرطوم ، \ مهمة عمل بدون أذن الرئاسة، فما كان من السيد بكري حسن صالح وزير الداخلية وقتها وهو رجل عسكري يعرف تماماً قيمة ومعنى ضابط في رتبة اللواء، إلا أن تدخل بقوله لمدير الشرطة «أنت قايل اللواءات ديل بوقوفهم بالساهل كده».. فإذا كان ذلك رأي عسكري متمرس في إيقاف الضابط من رتبة اللواء.. فما بالكم بمحاكمتهم وسجنهم في تلك السهولة وأن لفي الأمر شططا..وبما أن مدير السجن هو الذي ينفذ لائحة السجن فتجدر الاشارة إلى أم اللائحة تنص على أن مدير السجن،\ حالة هروب أحد المساجين،أن يشكل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولية وكان من الأحرى أن تنتظر رئاسة الشرطة نتيجة مجلس التحقيق الذي يشكله مدير السجن بدلاً عن التسرع ووضعه متهماً. لقد عاهدت نفسي على أن لا يهدأ لي بال وأن لا يرتاح لي جسد، حتى يصحح هذه الخطأ ويرفع هذا الظلم، وتثوب رئاسة الشرطة إلى رشدها وتعيد الحق لاهله فالرجوع للحق فضيلة، وتوقعوا ذخيرتي الأولى من مدفعية مؤمن الغالي قريباً إن شاء الله، وسنعمل بكل ما أوتينا من رأي وصلات، حتى نعيد هؤلاء الضباط لمواقعهم لأنهم شرفاء، والشرفاء يكرموا ولا يهانوا.