آخر كلمات كتبتها في مقالي هذا هي عيبة النعمان وعيبة الإنقاذ وهذا على غير العادة.. فقد دأبت على اختيار موضوع معين ثم تحديد العنوان ثم من بعد ذلك الشروع في الكتابة. أما هذه المرة فقد مرت بخاطري عشرات العناوين.. فلم استطع أن أختار منها عنواناً واحداً يفي لي بالغرض، كان من ضمن العناوين التي مرت على الخاطر: «الدين النصيحة» و«لم يبقَ في قوس الصبر منزع» و«آخر الدواء الكي» و«المذكرة الأخيرة» و«بركات الإنقاذ.. وبركات مسيلمة»و «هل في الإمكان أسوأ مما كان!!» و«شركاء متشاكسون» و«الإنقاذ.. أمن الخوف.. أم خوف من الأمن».. و«كثرة التكرار تعلم الإنقاذ..». وغير هذه من العناوين.. وهي أكثر من أن تحصى وبعضها مستقى من أقوال الناس وتعبيراتهم عما تجري في الساحة وما تقوم به الإنقاذ.. وما لا تقوم به وما تسكت عنه.. وما لا تسكت عنه.. وما يعجز عنه وما تتقاعس عنه.. وما لا تفهمه.. وما تدعي أنها لا تفهمه.. والجميع متفقون على أنه لم يمر على السودان نظام مثل الإنقاذ.. قدحاً أو مدحاً.. مع طغيان أحد الوصفين على الآخر.. والإنقاذ أدرى من غيرها بحقيقتها.. وحقيقة نفسها.. فإن كانت فعلاً هي أقل الناس دراية بحقيقة نفسها.. فتلك والله مصيبة ولن تنفع فيها موعظة ولن تجدي معها عبرة. والأجدى والأجدر بالإنقاذ أن تتوقف قليلاً.. توقف كل شيء.. حتى لو استطاعت أن توقف عجلة الزمن وعقارب الساعة لكان خيراً لها أن تفعل.. إن الذي سيؤول إليه حال الإنقاذ إن لم تفعل هو أن تكون مثل الملك النعمان بن المنذر بن ماء السماء لما تفاسدت الأحوال بينه وبين حلفائه من الفرس وطلبوه ففر إلى جزيرة العرب يطلب الحماية.. فأطمع به ذئبان الجزيرة العربية كلها حتى نصحه سيد شيبان وقال له بالضبط ما قلته في المقدمة للإنقاذ.. ولكن بكلمات مختلفة. قال له إن عليك أن تتوقف قليلاً وتنظر في عيبة نفسك وما آل إليه أمرك.. ولقد كنت ملكاً فأصبحت سوقة ولقد طمعت بك ذئبان العرب.. وهذه حال لا تليق بملك والرأي عندي أن تتوقف من الهروب.. وأن تجعل أموالك وحريمك وسلاحك عندي ثم تتوجه إلى حلفائك الفرس فتنظر ما يكون من أمرك وأمرهم.. فإن تصالحت معهم عدت ملكاً كما كنت.. وإن لم تفعل مت حراً كريماً وهو خير لك من أن تتناوشك ذئبان العرب.. وأما نساؤك فهن مع بناتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي. إن حال الإنقاذ اليوم هي تماماً حال النعمان.. ولقد أخذ النعمان بنصيحة سيد شيبان وترك أمواله وحريمه وسلاحه وديعة عنده.. وسافر إلى فارس وكان حظه القتل. وأرجو ألا تتوجس الإنقاذ من هذه النتيجة فرب النعمان غير رب الإنقاذ. إن النعمان توجه إلى ملك الفرس عبدة النيران.. وكان الخلاف بينهما في إمرأة. وإن الإنقاذ سوف تتوجه إلى الملك الديّان.. ومكون الأكوان.. ولا يكون بينه جل وعلا وبين أحد من خلقه خلاف إنما هي طاعة أو معصية. والإنقاذ غارقة في المعاصي.. ورب الإنقاذ بخلاف رب النعمان.. فرب الإنقاذ رب غفور رحيم يقبل التوبة ويسارع إلى المغفرة. والعهد والميثاق بين الإنقاذ وربها مكتوب ومسطور ومتلو. «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس» إن من صدق توجه الإنقاذ إلى الله سبحانه وتعالى أن تنظر في عيبة نفسها كما نظر النعمان وأن تتهم نفسها وأن تسالم ربها وخالقها. لما ذهب النعمان إلى ملك الفرس حبسه وبعث به إلى خانقين حتى وقع الطاعون فمات فيه.. وهناك روايات أخرى حول موته. إن رب الإنقاذ جل وعلا تكفيه التوبة ويعجبه الاستغفار ومن جاءه يمشي أتاه هرولة.. ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً. ورب الإنقاذ لا يسمع وشاية من أحد ولا يلتفت إلى نمّام. إن على الإنقاذ إذا أرادت النصر على الأعداء وهم أعداء الله لا شك في ذلك، فما عليها إلا أن تنصر الله فيما أولاها إياه. عليها أن تنصر الله سبحانه وتعالى في قضية الولاء والبراء أن توالي من والاه وأن تعادي من عاداه. عليها أن تنصر الله سبحانه وتعالى في أمر الشريعة ولا تكل أمرها إلى علماني ولا نصراني ولا يساري، بل ولا إسلامي ولا سلفي.. ولا ذي تقوى ولا دين.. عليها أن تمضي في إقرار الشريعة قدماً بلا تسويف ولا مماطلة.. وعليها ألا تحكم في شريعة الله الرجال. وعلى الإنقاذ أن تنصر الله في موضوع الفساد.. وأن تحاسب المفسدين وإن كانوا من أهل بيوتات الإنقاذ.. ومن صناع الإنقاذ.. ومن سدنة الإنقاذ.. والإمام يقع على عاتقه العبء الأكبر في ذلك في خاصته وفي عامة الناس.. إن أهم ما يمكن أن يقوم به الإمام هو المصادرة قبل كل شيء.. وتكفي الفضيحة عوضاً عن السجن. وعلى الإنقاذ أن تنصر الله سبحانه وتعالى في مسألة الجبايات، فالله سبحانه وتعالى حرّم علينا جميعاً أموال بعضنا البعض ولم يفرق بين حاكم ولا محكوم.. ولم يبح ذلك للحاكم إلا بحقه إما زكاة أو حقاً معلوماً أو شيئاً أخرجه صاحبه بطيب نفس. والدولة اليوم أكبر ماكس.. لا أعلم في داخل البلاد ولا خارجها ماكساً أكبر منها، «وصاحب المكس في النار». وعلى الإنقاذ أن تنصر الله سبحانه وتعالى في موضوع المرأة.. النساء.. القوارير.. ولا أعلم أحداً نشط في كسر قوارير الأمة المسلمة مثل الإنقاذ.. ومع أنهن قوارير وأمرن بالصون والعفاف والحجاب والنقاب.. إلا أن الإنقاذ أزأرتهن على الرجال حتى أصبح وجودهن خارج البيت مضموناً بالتشريع.. لا حول ولا قوة إلا بالله. والله وحده يعلم من فوق سبع سموات أننا نشكم قلمنا من أن يسترسل أو أن يوضح أو أن يصرح كل ذلك مخافة أن نخدش حياءً أو أن نسيء إلى عزيز.. أو أن نحرج مغلوباً على أمره. لقد كان النعمان أكثر حكمة وأكثر يقيناً من الإنقاذ.. مع أن ربه ليس كرب الإنقاذ.. ولله المثل الأعلى.. وأن الإنقاذ إن لم تفعل نفس ما فعله النعمان.. فإنها تبوء بما باء به النعمان.. وأنا للإنقاذ أقوم مقام هاني بن مسعود سيد شيبان وأنصحها أن تسرع إلى ربها قبل أن تحتوشها ذئبان أوروبا وأمريكا وأفريقيا.. والرائد لا يكذب أهله.