يبدو والله أعلم أن الإنقاذ قد انتقلت إلى مرحلة جديدة وأخشى أن تكون الإنقاذ بهذا التشكيل والوزاري قد دخلت في نفق مظلم.. لا يدري أحد ما يخبئ فيه من الوحوش والهوام.. لقد ظلت الإنقاذ منذ عام 97 تختبئ وراء أكمة من الأكمات.. فقد كان قانون التوالي أكمة اختفت وراءها شرور ومفاسد أكبر بكثير من التي نراها الآن .. ولعل الله قد وقّى شرها.. وكان دستور 98 أكمة من الأكمات الإنقاذية.. وكذلك كانت اتفاقية نيفاشا أكمة من الأكمات.. وكذلك كان دستور 2005 المؤقت أكمة أخرى من أكمات الإنقاذ.. وطبعاً لكل أكمة من هذا الأكمات.. ما وراءها كما يقول المثل.. وقد وقّى الله سبحانه وتعالى بلطفه من كل ما اختبأ واندسّ وراء هذه الأكمات جميعاً.. إلا النزر اليسير منه. ولكن يبدو أن الإنقاذ قد أدخلت نفسها في أنبوب طويل وهو بطبعه ككل أنبوب مظلم لا ترى فيه ما خلفك ولا ما أمامك ولا عن يمينك ولا عن يسارك.. والذي هذه حاله فهو لا يملك من أمر نفسه شيئاً ولا يستطيع التكهن بما هو آتٍ وليس هناك ما هو أكثر إظلاماً من المرحلة القادمة أمام الإنقاذ.. لقد كانت الإنقاذ تتخبط وتتعثر لمّا كان برنامجها هو البرنامج الواحد الوحيد وهو برنامج الحركة الإسلامية الذي تحوّر بقدرة قادر وأصبح برنامج المؤتمر الوطني وما زلنا «كل عام ترذلون» وكل فترة تضيف الإنقاذ إلى برنامجها برنامج أحزاب أخرى إلى أن أصبح الآن للإنقاذ أربعة عشر برنامجاً الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.. وطبعاً برنامج الإنقاذ الأصل أصبح هو آخر البرامج على الإطلاق، إنه لمن الإسفاف والهذر أن تزعم الإنقاذ أن 66 وزيراً جديداً وقديماً في هذه التشكيلة قد جاءوا يتقاطرون لتنفيذ برنامج الإنقاذ والحركة الإسلامية حتى لو أحسنّا الظن وقلنا إن كل وزير في الحكومة فإن برنامجه هو برنامج حزبه فإن لدينا إذاً أربعة عشر برنامجاً حزبياً في حكومة الشتات الفكري الممسكة بتلابيب السودان للخمس سنوات القادمة. ولكن الواقع أن لكل وزيرًا في هذه التشكيلة برنامجه الخاص والشخصي بل له برنامجان الأول المتعلق بالأنا السفلي أنا المخصصات والعربات والبدلات والحوافز والذي جعلنا نقول في مقال الخميس الذي لم يُنشر إن معظم هؤلاء قد يصدق فيهم بيت الشعر الذي هجا فيه الشاعر البعيث خصمه جرير الشاعر فقال لقد حملته أمه وهي ضيفة.. فجاءت به يتناً للضيافة أرشما والأرشم هو الذي يتشمم الطعام. وأما البرنامج الثاني لكل وزير في التشكيل الجديد فهو برنامج الأنا العليا.. والذي لا يتوافق مطلقاً مع برنامج الإنقاذ، فحتى برامج الحزبين «الكبيرين» وهي برامج إسلامية فلم تكن تخلو من الدغمسة عندما كانت الحركة الإسلامية تسيطر على الشارع وهي في المعارضة.. وأما الأحزاب الأخرى القديمة والجديدة فهي أقرب إلى العلمانية منها إلى أي شيء آخر. فكيف بالله عليكم يكون الحال عندما حصلت الإنقاذ ذاتها على نصيبها من العلمانية في التغني بالديمقراطية والتمدح بالتعددية «المطلقة» وجمعت حولها أشتات الأحزاب وجميعهم ممن لا تأخذه في الديمقراطية لومة لائم.فهل بقي للإنقاذ برنامج تخاطب به عضوية الحركة الإسلامية أو تخاطب الإسلاميين في داخل السودان وخارجه؟ هل أعدت الإنقاذ وثيقة عرضتها على أحزاب التشكيل الجديد ودرستها معهم ووقّع عليها الجميع وأصبحت هي برنامج الحكومة الجديدة والمرحلة القادمة؟ إن لم يكن ذلك قد حدث وهو قطعاً لم يحدث فإن الإنقاذ تكون قد قدمت برنامجها الإسلامي قرباناً حتى يذبح..... لماذا؟ أنا شخصياً لا أدري! ولا أحب أن أتكهن مع أن باب التكهنات واسع ومفتوح على مصراعيه بدءًا من المحكمة الجنائية إلى رائحة الفساد التي زكمت الأنوف.. إلى عشرات المخاوف المستترة التي قد تكون قد انبنت على معلومات أمنية.. أو قراءات سياسية وقد تكون انبنت على مجرد «خلعة ساكت» والمخلوع أرجل منه الجبان!! إن أحسن ما يمكن أن يقال للحركة الإسلامية في هذا المنعطف الخطير هو من جنس ما قاله أحد دهاة العرب للنعمان بن المنذر عندما نشب الصراع بين النعمان وملك الفرس نصحه بأن يهدأ ويسكن ويجلس «لينظر في عيبة نفسه» أي ينظر في عيوب نفسه ويعرف مالها وما عليها ويحاول أن يفهم الأسباب الحقيقية التي أوصلته إلى أن يكون فارًا وهارباً يطلب الحماية والجوار كما يفعل السوقة والرعاع بعد أن كان ملكاً يهِب الحماية والجوار لمن شاء!! فعلى الحركة الإسلامية اليوم بل الحركات الإسلامية أن تقف برهة لتنظر في عيبة نفسها والأسباب التي أدت إلى مثل هذا التشكيل بعد عشرين عاماً من مجاهدات الإسلاميين بأصنافهم وجماعاتهم!! لماذا يأتي تشكيل وزاري بعد عشرين عاماً لا يكون فيه نصيب الإسلاميين أكثر من 20% بل أقل!! وهذه والله يمكن أن تُحتمل ولكن الذي لا يمكن أن يُحتمل أن يكون نصيب الإسلاميين 20% فإذا جردتَ وحسبتَ نصيب الإسلام في هذه الحكومة وهذه المرحلة وجدته لا يصل إلى 5%. إن أداء الإنقاذ بل وأداء الإسلاميين كلل طيلة عشرين عاماً لم يزد على أن جرّأ الناس بل جرأ السفهاء على الإسلام!! لو سمعت أو قرأت أحد هؤلاء السفهاء ينتقد الأداء الحكومي وأداء العلماء والدعاة لا يخالجك شك في أن لأقواله ما يبررها لدى الفئات الثلاث ولكنك أيضاً تعلم علم اليقين أن هذا الشخص هو أصلاً ضد الإسلام!! فعلى من يقع الوزر؟! إن الإنقاذ عجزت بعد ربع قرن من الزمان أن تقدم النموذج الإسلامي في الحكم عجزت وأقرت بالعجز واستعانت بعد فشلها بالذين انقلبت عليهم وعجز العلماء أن يكرروا نماذج العز بن عبد السلام وابن أبي ذئب وأبي حنيفة وابن حنبل. لقد كانت الإنقاذ من 2005 كما قال الشاعر وكنت كذي رجلين رجل صحيحة.. ورجل مشى فيها الزمان فشلّت وكانت الرجل الصحيحة هي الإسلام .. وكانت الرجل السقيمة هي نيفاشا. وبعد الإنفصال كان حرياً بالإنقاذ أن يصدق فيها قول الشاعر ذاته في بيته الثاني وكنت كذات الظلع لما تحاملت.. على ظلعها بعد العثار استقلت ولكن الإنقاذ لم تشأ أن تتحامل على ظلعها بعد طول عثارها ولو كانت تحاملت إذاً لمشت على رجلين صحيحتين. لو مشت على نظرية الإسلام وهديه.. وهذه رجل ولو مشت على نظرية وأسلوب الخلافة الراشدة في التطبيق فهذه رجل ولكن الإقعاد شاء أن تبتر رجلها الصحيحة أيضًا وتستعيض عندها بأربعة عشر رجلاً سقيمة فلسوف يكثر عثارها ولن تستقل أبداً في مشيتها ولا في سيرها وستجعل السودان أضحوكة في العالمين. وستجعل من السودان مادة للتندر.. وموضوعاً للهزء والسخرية وليس الأمر يقف عند هذا الحد.. فالقامة السودانية المديدة في كل شأن من الشؤون اضمحلت وتطامنت.. وبدأت تمس الشرف.. والكبرياء.. والأعراض. أما الشهادات الأكاديمية .. والاقتصاد الزراعي.. والحيواني.. فمن يبكي على ذلك.. ولكن الأعراض.. والشرف.. فكلا وألف كلا.