أما السيناريو الثالث الذي نرجو أن يتحقق رغم صعوبته ، فيتطلب تجرداً وجرأة ودراسة جدوى سياسية دقيقة للمواقف من اطراف المعادلة السياسية فالمعارضة عليها التخلي عن اوهام النصر الذي لا تلوح بوادره في الافق المنظور وقد تستطيع المعارضة أن تستترق السلطة وتربك خططها وتؤخر مشروعاتها. وربما ساهمت بصراعها مع السلطة في فصل الجنوب ولكن كل ذلك على الأرجح لن يتيح لها الإنتصار وتطبيق شروط سلم تسلم. وربما فوتت المعارضة على نفسها فرصة وفاق لن تجدها غداً إذا ما تجاوزت السلطة صعوباتها الاقتصادية بإنجاز المشروعات الاستراتيجية خاصة في مجال البترول وأما السلطة من ناحيتها فيجب أن توزن الأمور في ضوء مسئوليتها التاريخية تجله الوطن خاصة لجهة وحدته. وليس هناك مجال للإستهانة بمهددات الوحدة الوطنية سواء من خلال الاستهداف الخارجي المتصاعد او حتى من خلال مبدأ تقرير المصير في إطار إتفاقية الخرطوم للسلام. فتأمين الوحدة والموارد تجاه هذا الهدف بدلاً من استنزافها في الاقتتال. وإذا ما تسامت القوى السياسية فوق أهواء الاستئثار وتجاوزت النظرة الضيقة فيمكنها التوصل الى ترتيبات تشكل حلاً معقولاً في اطار التعددية كما يلي: أولاً:لابد من الاتفاق على الثوابت الاساسية الواردة في الدستور والتي هي في الحقيقة ثوابت غالب المجتمع اكثر من كونها ثوابت النظام . والقضية الخلافية الرئيسية في هذه الثوابت كما هو معلوم هي علاقة الدين بالدولة. ولا نكاد نرى صعوبة في ان تتفق السلطة مع الاحزاب التقليدية خاصة حول هذه المسألة فهذه الاحزاب كما يتضح من تاريخها السياسي ، ليس لها اي موقف مبدئي مع او ضد الشريعة وإنما هي المصلحة السياسية ومناوراتها بين اشواق الجماهير وتقدير القيادات من اجل السلطة. وأما الحركة الشعبية وفصائل اليسار فليس متاح امامها عملياً وعدلاً، سوى القبول بتدابير التوازن ومنها مبدأ المواطنة كأساس للحقوق المسلمة لتشرع لنفسها اتفاقية الخرطوم للسلام ومقررات التجمع في اسمرا. وليس هناك مجال لتجاوز إرادة الاغلبية في هذه القضية المصيرية جملة واحدة وليس عاقلاً من يعمل لتكرار التجربة الجزائرية او التركية في السودان وإن استطاع وما هذه القوى بمستطيعة بإذن الله. ثانياً: وبعد الإتفاق على الثوابت، يجب الاتفاق على برنامج وطني لإخراج البلاد من وضع الازمة وتهيئتها لتعددية سياسية مستقرة فمن الواضح أن السنوات الماضية بمشاكلها الاقتصادية والأمنية وتناحرها السياسي قد زادت العوامل السلبية التي تشكل قيداً على الممارسة الرشيدة للتعددية.. فلابد إذن من برنامج يتفق عليه لتقوية البناء الاقتصادي والاجتماعي. ثالثاً: يجب الاتفاق على فترة انتقالية طويلة نسبياً لإنجاز البرناج المتفق عليه في جو الاستقرار السياسي والاجماع الوطني. وهذه الفترة ضرورية للغاية للأحزاب نفسها، لإعادة بنائها بصورة مؤسسية واستيعاب المتغيرات المهمة على الساحة الوطنية. ولقد كانت احدي العلامات الاساسية للأحزاب في ما ضى، هي افتقاد المؤسسية والتركيبة القومية الحقيقية ولن تتمكن الاحزاب من احتواء الاستقطاب الجهوي والعرقي إلا ببناء ينقلها من مجرد هياكل الى مؤسسات سياسية قومية بحق والمغزى الاساسي للقانون التوالي السياسي الذي يخضع مشروعه للنقاش هذه الايام هو في رأينا، ما يضعه من اساس لمثل هذا البناء ورغم ما يثار حول القانون من قبل المعارضين فإنه لا يشكل عزلاً لأحد وغاية ما تعنيه المادة الحادية عشر حرمان من يدان قانوناً بالخيانة العظمى او التآمر على الدستور او جريمة مخلة بالشرف من قيادة الاحزاب لمدة سبع سنوات مع وجود امكانية للعفو وهذه العقبة يسهل جداً تجاوزها إذ ما اتجهت الإرادة السياسية نحو الوفاق في اية مرحلة. رابعاً: يلزم الاتفاق على حكومة قومية لإنجاز المرحلة الانتقالية ولا يوجد ما يمنع ذلك اذا اتفق على الاساسيات، سوى التلهف لكراسي السلطة وهذا ما يجب التسامي عليه طالما كانت مصلحة الوطن هي الأساس. إن هذا السيناريو ليس سهل التحقيق في ظل المواقف الحالية ولكنه ليس مستحيلاً ، إذا ما أجريت للأطراف المعنية دراسة جدوى سياسية دقيقة لمواقفها كما أسلفنا ورغم صعوبته فدعنا نحلم به فقد يتحقق الحلم ولو بمعجزة ولسنا نؤمن مع الاستاذة آمال عباس بإنتهاء زمن المعجزات.