بعد موضة الربيع العربي، واجتياح هذا الجحيم لبعض الدول العربية المحورية، والتي تمثل عمق العروبة ومهد الحضارات والأديان السماوية، أو التي بها عبق من التاريخ الإسلامي، أو التي انطلقت منها ثورة القومية العربية التي أحدثت تحولات في العالم العربي، بعد التحرر من الاستعمار، وإفرازات هذا الجحيم ونتائجه الكارثية على المنطقة، يؤكد فرضية أن تلك الثورات المزعومة كانت بتخطيط مُهنَدس اعتمد على قراءات عميقة للتاريخ والجغرافيا، وتحديد سيناريوهات معينة لإضعاف حيوية تلك الدولة باعتبارها محورية، وأي خلل بها يطيح بالأخريات في المنطقة دون جهد وتكلفة باهظة لإدارة الحرب. والمشهد السوري والمصري هما الأصلح كنموذج لفرضياتنا أعلاه، ولأن المشهد المصري تعرضنا له في مقالنا (الربيع العربي والعدو الحضاري).. وفي هذا المقام نتحدث عن المشهد السوري لأنه الأكثر إثارة ودموية، وتتضح فيه معالم المؤامرة الخبيثة في إدخال مفاهيم جديدة في الصراع السياسي خاصة بعد الدخول المباشر لحزب الله في ساحة العراك السوري الدموي، وإعادة الذاكرة الإسلامية الى مشاهد التاريخ (الصامت) الى بدايات الفتنة وحرب المذاهب والفرق، ولأن الصراع اليوم هو صراع حضاري بين حضارتين (الغربية ثابتة الأهداف، والعربية الإسلامية المنقسمة على ذاتها، وغير واضحة الأهداف والمنهزمة من الداخل)، وهذا الصراع انتصرت فيه الغربية باعتمادها على الخلاف الإسلامي من خلال القراءات التاريخية، والبناء العروبي الرخو في الدولة القطرية والأممية على حد سواء. وساهم الإعلام العربي والنخب العربية في إضعاف الوضع العربي بعد تناولها الإعلامي عبر القنوات الفضائية الضخمة، التي تخصصت في إبراز (الفتنة العربية والإسلامية)، في نسختها الثانية، فسوريا منطقة الظهر العربي والإسلامي بتاريخها القديم والحديث.. وقديماً كانت ملهمة الدولة الأموية التي أدارت حرباً نفسية على طلائع التشيع في بداياته الأولى، لذلك نجد أن الإعلام العربي (المخترق) يتعرض الى مناطق الصراع في سوريا مثل ادلب، وريف حماة، وحلب، وهي مناطق تمركز شيعي، وأن الشيعة يمثلون 10% من سكان سوريا البالغ عددهم ما يفوق 20 مليون نسمة، والذي ينظر الى الأحداث في سوريا، والتي بدأت قبل عامين، يجد أنها بدأت ضد بشار (الدكتاتور) الحاكم والشعب يريد الديمقراطية، ثم تحولت ضد بشار (الأقلية العلوية) الحاكمة، اكتملت وتصاعدت وتمايزت بعد دخول حزب الله اللبناني من أجل حماية بشار (الشيعي) ضد ثوار السنة، هذا الانتقال في المشهد السوري يعزز فرضية المؤامرة القائمة على التفتيت أولاً وعبر مراحل.. استعداداً للحرب الشاملة بين المذاهب الإسلامية. الرؤية المنطقية أن بشار الأسد أقحمته المعارضة المسلحة في هذه الحرب الى أن وصلت مرحلة ضرب النسيج الديني في المنطقة العربية برمتها، دعك عن سوريا.. وأخيراً استخدمت الأيادي الخفية التي تدير المشهد السوري الآن رصيد التاريخ البطولي لحزب الله والكاريزما المصطنعة للقائد حسن نصر الله التي تحصل عليها من صراعه مع إسرائيل ودعمه للقضية الفلسطينية، فهو في الذهنية العربية التي كونها الإعلام العربي بطل تحدي العدو الإسرائيلي وأرسل ( صواريخه) بعد أن كانت العرب ترسل(الحجارة)، إضافة الى الوجود الشيعي الإيراني الذي له امتدادات تاريخية بدأت منذ صراع الصفويون والعثمانيون، وتغيير الخارطة المذهبية في إيران من سنية الى شيعية، واتجاهات الصفوية مع أروبا، ثم جاءت ثورة الخميني وحكمت إيران وهي الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي تعتمد على الإسلام كرؤية حاكمة، وأصبح الخميني وثورته مصدر الهام لكل الإسلاميين والحركات الإسلامية، خاصة بعد دخوله في عداء مع الولاياتالمتحدة، ثم دخول إيران في صراع مع الغرب يخص برنامجها النووي، كل هذه الأحداث جعلت التيار الشيعي يصعد الى الواجهة، ويملأ فراغات الأيدلوجيا الإسلامية في المنطقة التي كانت مابين الماركسية والرأسمالية تقدم الولاء وتتخذ منهما هادياً.: قراءة المشهد العربي مابين سقوط صدام حسين ودخول حزب الله في الأزمة السورية، يؤكد أن المنطقة تتجه نحو الفتنة الدينية، ولأن الصراع التاريخي بين السنة والشيعة يدور حول السلطة والحاكمية، وأن الخلاف الفقهي بينهما أقل مساحة، وأساس الخلاف قائم على الحكم ولا يمكن استبعاد السياسة من هذا الصراع، وهذا يجعل سوريا الحلقة الثانية من مسلسل الصراع السني الشيعي والذي بدأت حلقته الأولى بعد سقوط بغداد وإعدام صدام، الذي خمد نيران الفتن ولذلك أعدموه وشنقوه من أجل التمهيد للفتنة التي ارتفعت وتيرتها في سوريا وامتدت نيرانها الى المنطقة متزامنة مع المد الإعلامي الشيعي على «النايل سات» ومحاولة قنواته الفضائية إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بروايتهم في مسيرة الخلافة الإسلامية من لدن سيدنا ابوبكر الصديق، والأموية، وصلاح الدين الأيوبي، وصولاً الى صدام حسين، ويقصدون بذلك الاستقطاب وفرض الرؤية الشيعية في المنطقة، وما زالت المعركة المذهبية مستمرة وتصاعد الدخان يخرج من العُمامات البيضاء والسوداء.