حفلَ يوم الأربعاء الماضي بانخراط وتعاطي أمريكي كثيف مع الشأن السوداني، ففيه أعلنت سوزان رايس سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة أن الرئيس الأمريكي سيحضر اجتماعاً رفيع المستوى تنظمه الأممالمتحدة بشأن السودان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 من الشهر الجاري، وفيه أجرت (هيلاري كلينتون ) وزيرة الخارجية اتصالاً هاتفياً بنائب رئيس الجمهورية السيد علي عثمان محمد طه، عبرت له فيه عن تقدير وشكر الإدارة الأمريكية للجهود التي بذلتها حكومة السودان من أجل إطلاق سراح الرهينة الأمريكية التي كانت محتجزة بدارفور، وهو أول إتصال بين مسئولين رفيعين من الجانبين منذ تولي أوباما الرئاسة الأمريكية، وفيه- أي في نفس اليوم- إتصلت كلينتون بالنائب الأول لرئيس الجمهورية بشأن التحضير للإستفتاء، وفيه وصفت وزيرة الخارجية في رد على سؤال بشأن السياسة الخارجية الأمريكية في مجلس العلاقات الخارجية على الأوضاع بين الشمال والجنوب، بأنه (قنبلة موقوتة لها عواقب هائلة) وأن (استقلال) جنوب السودان هو حتمي (INEVITABLE)، وهو الوصف الذي قطعت به الوزيرة كل الشكوك التي كانت مثارة حول موقف واشنطون إزاء قضية وحدة السودان، إذ جاء هذا الوصف مؤشراً واضحاً لا لبس فيه يشير إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتحرك على (حقيقة) أن الإنفصال واقع لا محال. هذا الإنخراط الأمريكي اللافت هو في حقيقته ليس ببعيد عن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، حيث أن الوضع الإقتصادي السيئ يهدد موقف الديمقراطيين في هذه الانتخابات، لذلك فإن الإدارة الأمريكية تريد أن تستمد العون والسند لها بمواقف خارجية تحقق لها مكاسب، تستطيع بها تجاوز هذا الحاجز الانتخابي . أياً كانت الأسباب والدوافع الأمريكية لهذا الإنخراط الكثيف، فإن ذلك يعد فرصة مواتية للسودان لعرض بضاعته بشكل قوي وواضح وصريح في المحفل الأممي، من خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن خلال المؤتمر الذي ينظمه الأمين العام للأمم المتحدة حول السودان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة وكذلك في الاجتماعات التي ستضم وفد السودان بالجانب الأمريكي. وفي تقديري فإن هناك (6) موضوعات في غاية الأهمية يجب أن تكون على رأس أجندة الوفد الحكومي، أربعة منها خاصة بقضية الاستفتاء القادم، وإثنتان منها تتعلقان بملف العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطون. أما القضية الأولى من القضايا الأربع المتصلة بالاستفتاء فهي قضية ترسيم الحدود، والتي هي في رأيي أم القضايا وأهمها على الإطلاق، حيث أن على الوفد الحكومي التمسك بضرورة وشرطية الانتهاء من ترسيم الحدود، والإتفاق قبل إجراء الإستفتاء حتى وإن أدى ذلك إلى تأجيل قصير المدى لميعاد الاستفتاء، والقضية الثانية هي إكمال الإتفاق على قضايا (مابعد الانفصال)، والتي درج الشريكان على تسميتها بقضايا مابعد الاستفتاء تجملاً! لأن عدم الاتفاق على هذه القضايا قبل إجراء الاستفتاء مدعاة على نشوب الخلاف حولها، ويمكن أن يتطور هذا الخلاف ويتصاعد ليشعل حرباً ضروس. والقضية الثالثة هي التأكيد على عدم قيام أحد الشريكين بالتصرف منفرداً وبشكل أحادي غير مقرر، ولا منصوص عليه في اتفاق السلام الشامل بإعلان الإنفصال، أو إعلان الوحدة والتأكيد على أن الانفصال أو الوحدة أمر يقرره الجنوبيون عبر صندوق الإستفتاء.. القضية الرابعة المهمة هي ضمان إجراء استفتاء نزيه وحر وشفاف، وهي قضية.. على الوفد الحكومي التأكيد عليها حتى تكون نتيجة الاستفتاء محل رضا وقبول جميع الأطراف لأن الاستفتاء إذا لم يكن نزيهاً وحراً وشفافاً فستكون نتيجته في حكم المبني على الباطل. أما القضية الأولى من قضيتي العلاقات الثنائية بين السودان وأمريكا، فهي رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث لا مبرر لاستمرار اسم السودان في هذه القائمة، بعد مرور كل تلك المياه على مر تسعة أعوام تحت جسر التعاون المشهود للسودان مع الولاياتالمتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وآخر مظاهر هذا التعاون تحرير الرهينة الأمريكية الأسبوع الماضي. والقضية الثانية في هذا المضمار هي مطالبة واشنطون بالتعامل الطبيعي مع السودان بعيداً عن ما يسمي بسياسة العصا غليظة كانت أم رقيقة، والجزرة أياً كان حجمها، لأن هذه السياسة لم تجدِ نفعاً مع السودان بالتجربة، وأن الأفضل هو إقامة علاقات طبيعية تحترم فيها واشنطون سيادة السودان واستقلاله، وتحكمها مبادئ العلاقات الطبيعية، ويحترم السودان في إطارها كون الولاياتالمتحدة دولة عظمى لها دورها المعترف به دولياً، ولها ثقلها وفقاً لهذه الصفة في مسرح السياسة الدولية. نأمل أن تتعاطى الإدارة الأمريكية بالجدية والمسئولية المطلوبة والمرجوة لمساعدة السودان في العبور نحو الاستقرار في شماله وجنوبه، وأن تبني استراتيجيتها الجديدة تجاه بلادنا على أسس من العدالة الحقيقية، من غير أجندة ضيقة لا ترعى مصالح الولاياتالمتحدة وشعبها، ولا مصالح كل القوى المعنية بالأوضاع في السودان. الثقة كبيرة في قدرة وفدنا الحكومي في الانتصار للسودان.