كم محطة من محطات الغدر والخيانة قد توقف عندها قطار التمرد منذ العام 1955 الى عامنا هذا 2013م؟!! لا أحد يستطيع أن يعرف الرقم الحقيقي.. لأن الغدر والخيانة ليست محطة من المحطات ولا حتى تقاطع مثل هيا وسنار.. تغير فيه قطارك أو تحول فيه اتجاهك. إن الغدر والخيانة بيئة وحالة ووجدان، تعيش فيه المعارضة السودانية بكل فصائلها وكل أسمائها ومسمياتها.. المعارضة اليسارية من أقصى اليسار الى وسط اليسار، الى يمين اليسار تعارض بكل ما أتيح لها من أدوات معارضة.. الكذب والعمالة.. والارتزاق والنهب.. والتمرد- إذا دعا الحال.. وحتى المعارضة اليمينية إذا صحت التسمية تنال حظها من الغدر، ولكنه غدر يتسم بكثير من المراوغة والتحايل والطمع والابتزاز. لسنا هنا الى إعطاء صورة فوتغرافية لأساليب المعارضة يسارية أو يمينية، ولكننا نؤكد أن الأحتواء بدرجات متفاوتة هو ديدن الجميع منذ أن جاءت الإنقاذ الى سدة الحكم.. ولكن حتى لا نغمط الظالم حقه.. فنحوله الى مظلوم وحتى لا نعطي المظلوم أكثر مما يستحق فنحوله الى ظالم.. ونتحول نحن أنفسنا من شهود وقضاة ومحكمين الى ظلمة.. يجب أن نؤكد أن أعظم أطروحات التمرد وأكبر ذرائعه للخروج على السلطة، والخروج على معايير العقل والشرف والإنسانية ومفارقته وتبجحه بالخروج على معايير النقل والشرع والدين، يأتي مستمداً من خروج الإنقاذ ذاتها على هذه المعايير، وهي المعايير التي جعلت الإنقاذ منها مبرراً لها للخروج على السلطة والانقضاض على الحكم، وخالفت بذلك كتابها للشعب وللأمة ولربها وخالقها ولنفسها.. ولا أحسب أنني أكون متجنياً ولا ظالماً للإنقاذ إذا قلت إن الإنقاذ هي أكبر مبررات التمرد التي يجعلها في قائمة مبرراته التي حواها كتابه لأعداء الإسلام ولأوليائه وأنصاره ومموليه وداعميه. إن من حق اي كافر نجس زناءٍ أكَّالٍ للربا أكَّال لأموال اليتامى قتال للأبرياء والعزل نهَّاب سفَّاح.. من حقه مع كل ذلك أن ينظر الينا في السودان ثم يضع يديه على خاصرتيه ويتبجح ويسأل في سخرية (أهذا هو الإسلام)؟.. هذا السؤال يقسم أهل السودان الى طوائف: طائفة تستجيب وتتمرد وتحمل السلاح وتركن الى الزنا السفاح النهاب ليمولها.. وطائفة جاهلة تستحي وتخجل وتغض طرفها وتتحسر.. وطائفة ثالثة تعلم أن الأمر على خلاف ما تقول الإنقاذ، وعلى خلاف ما يقول أهل الكفر والنفاق، وأن الحق ليس مجرد وسط ذهبي بين باطلين.. إن الحق هو أمر ثالث مختلف لا يحقق إلا اذا أخذنا باطل الإنقاذ على باطل أهل الشقاق والنفاق، فنركم بعضه على بعض فإذا هو زاهق!! إن الذين ينتظرون نهاية قريبة للتمرد- على يد الإنقاذ ذات الإنقاذ التي كانت أكبر مبررات التمرد- قوم واهمون، والذين ينتظرون نصراً قريباً للتمرد على يد أهل الكفر والشقاق.. نصراً على الإنقاذ وحكومة الإنقاذ.. هم أيضاً واهمون.. لأن التمرد إذا انتصر فلن يكون نصره على باطل الإنقاذ.. ولا على أهل الإنقاذ.. بل سيكون نصره على حقائق الإسلام وعلى أهل الإسلام.. لذلك ربما ظن بعض أهل الجهالة والمجانة أننا عندما نواجه التمرد فإنما ندافع عن الإنقاذ ونحن في الواقع ندافع عما أهملته الإنقاذ. إن الإنقاذ وللأسف الشديد تقاتل التمرد باستراتيجية التمرد، وبذات سلاح التمرد وتريد أن تنتصر عليه.. إن الإنقاذ تقاتل باستراتيجية خاطئة وبسلاح خطأ.. والتمرد يتفوق عليها بخفة الحركة والمبادرة.. وبباطلها.. وباطل الإنقاذ أشد نكاية فيها من نكاية باطل التمرد فيه.. لذلك على الإنقاذ أن تستبدل استراتيجية باستراتيجية أخرى، وبما أن الأخ الوزير الهمام أبو قردة وزير الصحة قد حرضني وحفزني وحرشني لأنصب نفسي كبيراً للدراويش.. فأنا أستعين بالله وأقول لأهل الإنقاذ إن عدل يوم واحد أشد نكاية من التمرد من آلاف أطنان السلاح بل عدل ساعة واحدة.. فكيف بالله عليكم لو أعلنتم تطبيق الشريعة الإسلامية فوراً وبلا إبطاء.. ألا تدركون أن المحبة والتجلة والاحترام والذكر الحسن والدعاء الذي ينعم به جعفر نميري عليه من الله الرحمة والمغفرة، وأمطر الله عليه شآبيب النعم والرضوان-ألا ترون أن ذلك كله بفضل إقراره (قوانين سبتمبر)؟ وقوانين سبتمبر اسم فسوق أطلقه على الشريعة الهالك الباتر محمود محمد طه، فأورده الله به موارد الهلكة وكتبه في سجل المرتدين، فكيف بالله إذا جاءت الإنقاذ غداً صباحاً بقوانين الشريعة كاملة غير منقوصة ولا مبخوسة، وتركت أهل التمرد وأهل الشقاق والنفاق وأهل الإنفاق في (حيص بيص) ووالله الذي بعث محمداً بالحق لئن فعلت الإنقاذ لتتركن أعداءها وأعداء ربها في حيرة لا ينجيهم منها أبالسة الأرض وشياطينها من الإنس والجن.. وليس ذلك على الله بعزيز. نحن نؤمن بالمهدي المنتظر مهدى الهدى لا مهدي الضلالة.. كما جاءت به الأحاديث الحسان والصحاح.. وبأنه من العترة ومن ولد فاطمة وأن اسمه يطابق اسم نبينا صلى الله عليه وسلم واسم ابنه اسم أبيه، وأنه يملأ الأرض عدلاً مثلما ملئت جوراً.. ولا نكذب الأثر الذي يقول (إن المهدي ليس بشئ يصلحه الله في ليلة) لأن ذلك لا يعارض قيمة من قيم الدين ولا قيمة من قيم العقل. ونحن اليوم نرى ونصدق أن الإنقاذ ليست بشئ.. أفكثير على الله أن يصلحها في ليلة؟ ليس بكثير عليه سبحانه وتعالى.. ولئن فعل ليكونن التمرد كأمس الذاهب!!