شهدتُ مساء الخميس لقاءً (دبلوماسياً / إعلامياً) جمع بين السيد أبادي زيمو سفير أثيوبيا بالخرطوم ورؤساء التحرير وقيادات العمل الصحفي بالسودان، تناول موقف الجارة أثيوبيا من قضية تنفيذ سد النهضة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وقدم سعادة السيّد السفير أبادي زيمو شرحاً مفصلاً لموقف بلاده حول تنفيذ السد، وقال إن هذا المشروع مرتبط بنمو الجارة الشقيقة أثيوبيا وتطورها، خاصة وأن الهدف الأساسي للسد هو إنتاج الطاقة الكهربائية، وتصديرها إلى دول الجوار، بتكلفة تقل كثيراً عن قيمة إنتاجها في بعض تلك الدول. اللقاء كان مشهوداً، والشرح كان مفصلاً ومدعماً بالأفلام التسجيلية عن المشروع وأثره، إضافة إلى تقديم صورة واضحة للحالة الاقتصادية الأثيوبية، مع تقديم ملخصات لدراسات سابقة عن السد الجديد وأثره على الاقتصاد الأثيوبي. السفير الأثيوبي وصف المخاوف المصرية تجاه المشروع بأنها غير مبررة، وقال إن بلاده قدمت من المستندات والدراسات والتوضيحات ما يفيد بأن بناء السد لا يلحق الضرر بأي دولة أخرى خاصة السودان ومصر، وأضاف أن ما يروّج له البعض حول محاولة أثيوبيا حرمان مصر من حصتها لا أساس له من الصحة، وأنه لا وجود لإسرائيل في منظومة الإعداد أو الإنشاء أو التمويل الخاص بسد النهضة، وأن الذين يروجون لذلك إنما أرادوا الوقيعة بين بلاده والشقيقة مصر، لأن التنفيذ ستقوم به شركة إيطالية مشهورة قامت بتنفيذ أكثر من مائتي سد على مستوى العالم، وأن الإشراف على تنفيذ المشروع ستقوم به شركة صينية مشهود لها في هذا المجال، وأن التمويل سيكون شراكة ما بين الشعب والحكومة في دولة أثيوبيا. خرجنا من ذلك اللقاء بصورة واضحة لذلك المشروع، وكنا قبل ذلك قد وقفنا من خلال لقاءات خاصة مع مختصين وخبراء سودانيين على موقف بلادنا من سد النهضة، وقد أقر أحد أولئك الخبراء بأن ما قامت به أثيوبيا من تقديم للدراسات والخطط الإنشائية لكل من السودان ومصر الذين شارك مندوبون عنهما ضمن اللجنة الفنية الثلاثية المشتركة، لم تقم به دولة من قبل، حتى تكون دول حوض النيل الشرقي (في الصورة)، وحتى تزول المخاوف، وحتى تطمئن أثيوبيا إلى أن شركاءها يضمرون لها كل خير في الخروج من نفق الفقر الضيق. بعد العرض الأثيوبي الواضح وقفت مع مسؤول الإعلام بالسفارة الأثيوبية، وقلت له إن الإعلام المصري محق في مخاوفه حتى وإن كانت غير مبررة، لأن الصورة لم تكتمل في ذهنه، وإنها مازالت ناقصة، ونحن في السودان نعرف أن أثيوبيا، خاصة بعد نجاح ثورتها التي أطاحت بمنقستو هايلي مريام ونظام الدرك الدموي، رأت أن تتجه نحو التنمية الشاملة، وهذه لن تتم إلا ببناء الإنسان، نحن نعرف ذلك بحكم الصلة والتواصل، لكن الإعلام المصري كان وظل بعيداً عن المشهد الأفريقي، وعاش داخل دائرة الخوف من أن تفقد مصر نصيبها من مياه النيل. سألني مسؤول الإعلام الأثيوبي: (إذن ماهو الحل؟) أجبت بأن على مصر الانفتاح أكثر على أفريقيا، لكن الأهم الآن أن تنجح أثيوبيا في إيصال مفاهيمها إلى شركائها الآخرين، من خلال زيارات للسد وغيره، ومن خلال قناة عربية تبدد مفرداتها ذلك الخوف.. لأن أثيوبيا ستجد نفسها مظلومة أمام اللغة.